دار الإفتاء: الاحتفال بـ”يوم الأم” مباح شرعًا وأحد مظاهر البر والإحسان

أكدت دار الإفتاء المصرية أن الاحتفال بيوم الأم أمرٌ جائز شرعًا لا مانع منه ولا حرج فيه، والبدعة المردودة

إنما هي ما أُحدث على خلاف الشرع، أما ما شهد الشرع لأصله فإنه لا يكون مردودًا، ولا إثم على فاعله.

جاءت فتوى دار الافتاء المصرية ردًّا على سؤال لأحد المواطنين بمناسبة الاحتفال بـ”يوم الأم” الذى يوافق اليوم الاثنين

21 مارس من كل عام .. قال فيه: ما حكم الاحتفال بيوم الأم؟ هل هو بدعة؟ ونصت الفتوى على:

أن من مظاهر تكريم الأم الاحتفاء بها وحسن برها والإحسان إليها، وليس في الشرع ما يمنع من أن تكون هناك

مناسبة لذلك يعبر فيها الأبناء عن برهم بأمهاتهم؛ وهذا أمر تنظيمي لا حرج فيه، ولا صلة له بمسألة البدعة

التي يدندن حولها كثير من الناس؛ فإن البدعة المردودة هي ما جاءت على خلاف الشرع؛ لقوله صلى الله عليه

وآله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه، من حديث أم المؤمنين عائشة

رضي الله عنها، ومفهومه أن من أَحدث فيه ما هو منه فهو مقبول غير مردود.

الأم أولى الناس بحسن الصحبة

وأضافت الأمانة العامة للفتوى في فتواها: لقد أقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم العرب على احتفالاتهم بذكرياتهم

الوطنية وانتصاراتهم القومية التي كانوا يَتَغَنَّوْنَ فيها بمآثر قبائلهم وأيام انتصاراتهم، كما في حديث “الصحيحين”

عن عائشة رضي الله عنها قالت: “دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ، تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ”.

وأشارت الفتوى إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجعل الأم أولى الناس بحسن الصحبة، بل يجعلها

مقدمةً على الأب في ذلك.

معنى الأمومة عند المسلمين

وأوضحت الفتوى إن معنى الأمومة عند المسلمين هو معنى رفيع له دلالته الواضحة في تراثهم اللغوي؛ فالأم

في اللغة العربية يتم إطلاقها على الأصل، وعلى المسكن، وعلى الرئيس، وعلى خادم القوم الذي يلي طعامهم

وخدمتهم، وهذا المعنى الأخير مَرْوِيٌّ عن الإمام الشافعي رضي الله عنه وهو من أهل اللغة، قال ابن دُرَيد:

وكل شيء انضمت إليه أشياء من سائر ما يليه فإن العرب تسمي ذلك الشيء “أُمًّا”. لذلك سميت

مكة “أم القرى”؛ لأنها توسطت الأرض، ولأنها قِبلة يؤمها الناس، ولأنها أعظم القرى شأنًا، ولما كانت اللغة هي وعاء

الفكر فإن مردود هذه الكلمة عند المسلم ارتبط بذلك الإنسان الكريم الذي جعل الله فيه أصلَ تكوين المخلوق البشري،

ثم وطَّنه مسكنًا له، ثم ألهمه سياسته وتربيته، وحبب إليه خدمته والقيام على شئونه، فالأم في ذلك كله

هي موضع الحنان والرحمة الذي يأوي إليه أبناؤها.

رمز للتواصل العائلي الذي كانت لَبِنَاتُه أساسًا للاجتماع البشري

وأشارت دار الإفتاء إلى أنه كما كان هذا المعنى واضحًا في أصل الوضع اللغوي والاشتقاق من جذر الكلمة في

اللغة، فإن موروثنا الثقافي يزيده نصاعةً ووضوحًا وذلك في الاستعمال التركيبي “لصلة الرحم” حيث أن هذه

الصفة العضوية في الأم رمز للتواصل العائلي الذي كانت لَبِنَاتُه أساسًا للاجتماع البشري؛ إذ ليس أحدٌ أحق وأولى

بهذه النسبة من الأم التي يستمر بها معنى الحياة وتتكون بها الأسرة وتتجلى فيها معاني الرحمة.

“التسول العاطفي” من الأبناء

وذكرت الفتوى أن هذا المعنى الرفيع للأمومة يتجلى عندنا مدلولًا لغويًّا وموروثًا ثقافيًّا ومكانةً دينية يمكننا أن ندرك

مدى الهوة الواسعة والمفارقة البعيدة بيننا وبين الآخر الذي ذابت لديه قيمة الأسرة وتفككت في واقعه أوصالُها،

فأصبح يلهث وراء هذه المناسبات ويتعطش إلى إقامتها ليستجدي بها شيئًا من هذه المعاني المفقودة لديه،

وصارت مثل هذه الأيام أقرب عندهم إلى ما يمكن أن نسميه “بالتسول العاطفي” من الأبناء لينتبهوا فيها إلى

ضرورة تذكر أمهاتهم بشيء من الهدايا الرمزية أثناء لهاثهم في تيار الحياة الذي ينظر أمامه ولا ينظر خلفه.

وأضافت الفتوى أنه مع هذا الاختلاف والتباين بيننا وبين ثقافة الآخر التي أفرز واقعها مثل هذه المناسبات

إلا أن ذلك لا يشكل مانعًا شرعيًّا من الاحتفال بها، بل نرى في المشاركة فيها نشرًا لقيمة البر بالوالدين في

عصر أصبح فيه العقوق ظاهرة تبعث على الأسى والأسف، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

الأسوة الحسنة؛ حيث كان يحب محاسن الأخلاق ويمدحها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.