ذكر القران الكريم حادث تحويل القبلة من بيت المقدس بـ(فلسطين) الي بيت الله الحرام بـ(مكة
المكرمة) قال تعالي ” سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانو عليها “
قال تعالي ” قد نري تقلب وجهك في السماء فليولنيك قبلة ترضاها “
والمتامل في هذا الحادث (تحويل القبلة) يجد انه يحمل في طياته أسرار ودلالات أشار اليها القران
الكريم في اكثر من موضع او لكنها تحتاج لادراكها الي قلب خاشع متأمل ومذعن للايات القران الكريم
لا الي قلب متنكر للقران ومتربص به او قلب شاك او مكذب والعياذ بالله قال تعالي ” ان في ذلك
لذكري لمن كان له قلب او ألقي السمع وهو شهيد “
ومن أهم هذه الدلالات التي يمكن ان تدل عليها حادثة تحويل القبلة .
الدلالة الأولي : ان القرن الكريم كان له الفضل الي جانب الكتب السماوية السابقة في تحديد ومعرفة
هذه الاماكن المقدسة ومعني المقدسة اي (المباركة او المطهرة) .
فقد ذكر المؤرخون انه وجد اكثر من سبعمائة مكان علي وجه الارض قدسها الناس عبر التاريخ , مثل معابد الفراعنة
, وسور الصين العظيم ,حدائق بابل المعلقة , اذن فلماذا تحظي هذه الاماكن (بيت المقدس) , (بيت الله الحرام) ,
(المسجد النبوي) بهذا القدر من الحرمة والتقديس عند الناس جميعا حتى في نظر غير معتنقي هذه الديانات , بل
في نظر الانسانية مجتمعة بغض النظر عن الديانة او الجنس او اللغة او العرق ؟
الاجابة بالقطع للان مصدر المعلومة هنا التي جاءت بتقديس هذه الاماكن هو الوحي الالهي والذي هو اسمي
مصادر المعرفة علي وجه الارض علي الاطلاق , ولذا نري الكثير من المثقفين او حتى المهنيين يحاولون القفز نحو
القضايا الدينية بغير ان يشعرون ايان يبعثون ويغير حتى ان يعرفوا سبب هذا الانجذاب الفظيع نحو هذه القضايا ,
والسبب في الحقيقة هو ما ذكرناه من ان الثقافة الدينية هي من اسمي الثقافات علي وجه الارض لان مصدرها
الوحي الالهي .
الدلالة الثانية : ان هذه الاماكن المقدسة السابقة (المباركة – المطهرة) انما وضعت للناس جميعاً بنفس القدر .
قال تعالي ” ان اول بيت وضع للناس للذي ببكه مباركاً وهدي للعالمين “
وقال تعالي ” سبحان الذي اسري بعبده ليلا من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي الذي باركنا حوله “
هذا يعني ان هذه الاماكن وضعت للناس جميعاً بنفس القدر وان محاولات التملك او السيطرة علي هذه الاماكن
علي مر الزمان قديما وحديثا تنم عن فهم خاطئ لطبيعة هذه الاماكن المقدسة التي جعلها الله (مثابة للناس
وامنا) .
وان هذا الفهم لهو خلط للمفهوم السياسي بالمفهوم الديني ووضع للحقائق في غير موضعها والا فماذا يفعل من
اراد من البشر ان يلتمس هذه البركة ويصل لهذا الطهر وينعم بهذا القرب الالهي ؟ فلا بد وان يصل الي هذه الاماكن
حتى تصفوا نفسه وتشرق روحه من جديد وتهدأ نفسه ويستطيع بعدها ان يقرر في امن وامان وفي سلام داخلي
وبحرية تامة , الوجه التي سيوليها او الديانة او المذهب الذي يريد اعتناقه بغير اكراه او تاثير من احد
قال تعالي” ولكل وجه هو موليها فاستبقوا الخيرات انما تكونوا يات بكم الله جميعاً “
وأخيراً التفت المجتمع الدولي لهذه الحقيقة وهي كون هذه الاماكن وضعت للناس جميعاً , وكفل حماية هذه
المقدسات لمنظمات ومعاهدات واتفاقيات دولية , تضمن حمايتها وحفظها وضمان حرية الدخول اليها مثل معاهدة
التقسيم بين انجلترا وفرنسا من 1924 , ومعاهد برلين 1957 , ومعاهدة لاهاي 1954 , اتفاقية جينيف 1949 اللحق
الاول الصادر 1977 , ميثاق الامم المتحدة البند الأول فقرة (3) , قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة(181) لسنه 1947 وقرار مجلس الامن 271 لسنه 1969 , وان كانت هذه المعاهدات والاتفاقيات لم تفي بالحماية اللازمة لهذه
الاماكن لانها جاءت عامة بشان الاماكن الثقافية والتاريخية , اذ بات من الضروري الدعوة لابرام اتفاقية دولية يكون موضوعها الأوحد حماية الاماكن المقدسة .
وان كنا نأمل في ظل تطور الفكر الحضاري للمجتمع الدولي من ايجاد أساس انساني بجانب الاساس القانوني يحترم مشاعر الانسان ويحفظ أدميته وعقائده علي غرار ما شهده العالم حوالي عام 622م من ثقافة عدم التحيز واحترام العقائد والصفاء الروحي وما صحبه انذاك من تعاطف المسلمين تجاه رحلات المسيحيين الاوروبيين الي الاماكن المقدسة في القدس الشريف , بيد أن هذه النزعة الانسانية لم تستمر طويلا بسبب ما سمي (الحرب المقدسة) .
الدلالة الثالثة : وهي احقية المسلمين في الانتماء لبيت المقدس وعمارته انطلاقا من انهم ورثة الخليل ابراهيم عليه السلام الذي بني بيت المقدس كما بني الكعبة المشرفة قال تعالي ” ما كان ابراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين , ان اولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين امنوا والله ولي المؤمنين ”
من كونهم مؤمنين بكل الرسالات والكتب السماوية قال تعالي ” ءامن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله ” .
ومن كونهم امة اخر الزمان وهم شهداء علي الناس جميعاً يوم القيامة .
قال تعالي ” وكذلك جعلنكم امة وسطاً لتكونوا شهداء علي الناس ” .
نسأل الله فهماً لكتابه وعملاً بسنة نبيه صلي الله عليه وسلم