دكتور صبري الغياتي* يكتب: تحويل القبلة.. بين إرادة الحق ومرادات الخلق

في ليلة الإسراء وعندما رقى النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى سدرة المنتهى فرضت الصلاة على النبي
(صلى الله عليه وسلم) وعلى أمته، وعندما عاد النبي (صلى الله عليه وسلم) من الرحلة المباركة علّم المسلمين
الصلاة، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون يتجهون إلى بيت المقدس ويجعلون الكعبة أمامهم كأنهم يجعلون المسجدين قبلتهم،
ولما هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) ظلت وجهته نحو المسجد الأقصى ستة عشر أو سبعة عشر شهرا،
وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذه الفترة يتجه نحو السماء يقلب وجهه ضارعا إلى الله أن يكون المسجد الحرام
هو قبلته، حتى استجاب الحق تعالى لنبيه وأنزل قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ “144”) فتحول النبي (صلى الله عليه وسلم) وتحول المسلمون إلى الكعبة المشرفة.
توجه عقدي وفكري وسلوكي وأخلاقي
وقصة تحويل القبلة أكثر من مجرد تحول من مكان إلى مكان، لأن الوجهة لا تطلق على المكان فحسب، وإنما تطلق على
توجه الإنسان العقدي والفكري والسلوكي والأخلاقي، وتلك هي العبرة الكبرى من تحويل القبلة، وهنا أحب أن أستأنس
بما ذكره الإمام الشعراوي رحمه الله في هذا الصدد، حيث يذكر أن الكعبة هي بيت الله باختيار الله وكل المساجد الأخرى
بيوت الله لكن باختيار خلق الله، بمعنى أن للخلق في تحديد أماكن المساجد نوع اختيار، فمن ثم كان لا بد أن تتوجه بيوت الله
التي هي باخنيار خلق الله إلى بيت الله الذي حدد مكانه باختيار الله، وذلك هو لب القضية وبيت القصيد.
القضية هنا ليست مجرد توجه إلى مكان معين، وإنما هي قضية تحول في الاتجاه والاعتقاد والسلوك والأخلاق، بمعنى أننا
لابد أن تكون مراداتنا متوافقة مع مرادات الله وأهواؤنا تبع لما جاء من عند الله وأخلاقنا وسلوكياتنا موافقة لمنهج الله وأن ننزل
عن اختياراتنا لاختيار الله تعالى لنا كما نتوجه في مساجدنا التي هي باختيارنا إلى بيت الله الذي هو باختيار الله،
وأما لماذا كان التوجه أولا إلى بيت المقدس؟ فذلك لأن اليهود والنصارى كلهم يدعون اختصاصهم ببيت المقدس، فأراد الحق
تعالى أن يقرر أن القدس إنما هي للمسلمين الذين يؤمنون بموسى وعيسى (عليهما السلام) كما يؤمنون بمحمد (صلى الله
عليه وسلم) ولا يفرقون بين أحد من أنبياء الله ورسله فتلك هي الأمة الأحق بأن تحمل الأمانة وتلك من خصائص أمتنا الإسلامية.
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا وأن يلهمنا التوفيق والرشاد
*مدير عام الدعوة بالجيزة