عبد الناصر البنا يكتب : أوكرانيا وجنون القوطة ( 2ــ 2 )

الحديث موصول عن تداعيات الأزمة بين روسيا وأوكرانيا ، والحقيقة أن الأزمة فضحت أشياء كثيرة أهمها على سبيل
المثال كما ذكرت سابقا الـ إرتفاع الغير مبرر فى أسعار بعض السلع والتى أعتقد
أنه من السابق لـ أوانه إرتفاعها إلا إذا طال أمد الحرب ، وهنا يجب على الدولة
تشديد الرقابة على الأسواق وتطبيق القانون بحزم على كل من يحاول أن يستغل
الأزمة ويصطاد فى الماء العكر .
الحمد لله أن مصر بما إتخذته من تدابير إستباقية منذ العام 2016 وسياسة الإصلاح
الإقتصادى والإصلاح الهيكلى والإجراءات التى إتخذها البنك المركزى وغيرها قللت
كثيرا من حدة الأزمات التى يمكن أن تتعرض لها بعض الدول فى مثل هه الأزمات ، وأعتقد أنه لم يحدث لدينا أية
أزمات إقتصادية طوال أزمة فيروس كوفيد 19 ومتحوراته التى إجتاحت العالم ، وشهدنا خلالها الطوابير الطويلة أمام
المتاجر فى أوربا ولم تنقص لدينا ” بصلة ” واحدة فى السوق المصرى .
أزمة أوكرنا ألقت بظلالها على موضوع السفر للخارج من أجل الدراسة والتعليم أو الباب الخلفى لدراسة الطب
تحديدا ، على الرغم من الضوابط التى وضعتها نقابة الأطباء والمجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالى
إلا أنها على مايبدو ليست بالقدر الكافى . يأتى هذا فى الوقت الذى توسعت فيه الدولة فى إفتتاح الجامعات
الخاصة والأهلية والحكومية ، وكانت مصر من أوائل الدول التى إفتتحت الجامعات الدولية فروعا لها .
هناك جامعة “بيروت” وكانت أيضا البوابة الخلفية للحصول على شهادة جامعية ، ولعلنا نتذكر ” المعهد العالى
للدراسات التعاونية والإدارية ” أو ” معهد التعاون ” الذى كان يقدم المنح لبعض اللأعبين والفنانين من أجل الحصول
على مؤهل عالى ، وهناك الجامعة الأمريكية والألمانية والفرنسية والكندية واليابانية والروسية إضافة إلى الجامعات
التى إفتتحت مؤخرا مثل ” جامعة الملك سلمان والجلالة والعاصمة الإدارية .. وغيرها من الجامعات الخاصة .
أزمة أوكرانيا أظهرت عورات العالم الغربى بعد أن أزالت ورقة التوت من على عوراتهم ، رأينا إزدواجية المعايير لدى
الغرب ، والتفرقة العنصرية الشديدة التى يعامل بها الغرب دول العالم الثالث ، على الرغم من الشعارات التى ترفعها
المؤسسات الحقوقيه مثل ” هيومان رايتس ووتش .. وغيرها ” ممن يتحفوننا بتقاريرهم المفبركة من وقت لـ آخر
حول حقوق الإنسان فى مصر ودول العالم الثالث .
الأزمة أظهرت التفرقة العنصرية والتسهيلات التى تقدم للاجئين من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الملونة ولاتقدم
لـ أصحاب البشرة السمراء بالقدر الذى جعل نائبا فى البرلمان الأسبانى يصرح قائلا ” أهلا باللاجئين
من الأوكرانيين ولا للاجئين المسلمين ” مدعيا أن وجودهم يمثل زعزعة لـ أمن وإستقرار بلاده .. وإستعمارها !!
موضوع اللاجئين يعيد للأذهان ماسبق أن كتبه الزميل أيمن السيسى نائب رئيس تحرير الأهرام عن الأوضاع
اللاإنسانية التى يعيشها اللاجئين التى شاهدها بعينيه خلال تغطياته الصحفية فى الاماكن المشتعلة ، وخاصة
فى مخيمات اللاجئين السورين فى” لبنان والأردن وتركيا ” ومحيمات الطوارق والعرب والازواديين فى ” أمبرة ” فى
موريتانيا و ” دجيبو ” و” جاندافادو ” فى بوركينا فاسو وفى إنجامينا وتشاد وكينيا ومعسكرات النازحين فى دار فور
وجوبا ، والأوضاع المعيشية الصعبة التى يعيشها هؤلاء بخلاف ماشاهدناه للنازحين من أوكرانيا بثيابهم الفاخرة
وقططهم وكلابهم .. إلخ .
الحقيقة أن المصطلحات التى إستخدمها الإعلام الغربى فى وصف الأزمة كانت محل إنتقاد شديد على كافة
المستويات الرسمية ، حيث إنتقدت الصين فى تصريح لها كلمة ” غزو أو عدوان” التى يستعملها الاعلام الغربى فى
وصف الأزمة الحالية وقالت إنه وصف غير دقيق ، وقالت إن الإعلام لم يستخدم هذه الكلمات أثناء العمليات
العسكرية ضد العراق وأفغانستان ، على الرغم من أنها عمليات لاتستند إلى أى أساس من القانون ، وبدون إذن
مسبق من الأمم المتحدة ، وهى حروب وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء .
كما أن اللغة التى تعامل الإعلام بها جاءت مغايرة عن اللغة التى تعامل بها فى وصف العدوان الإسرائيلى الغاشم
على الأراضى الفلسطينية والإنتهاكات المتكررة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى كما جاء على لسان
برلمانى إيرلندى : لماذا ندين بونين ونتغاضى عن إسرائيل ؟
وقال : عندما نصف جرائم بوتن بأنها ضد الإنسانية فى الوقت الذى لم ننستخدم فيه نفس اللغة الحاسمة
لـ نصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين ، والتى تم توثيقها وتفصيلها من قبل أهم مؤسسات حقوق الإنسان
فى العالم ، وقال يجب أننا ننظر بأمانة الى عقود من الاضطهاد الوحشى واللا إنسانى للفلسطينيين والاعتداءات
المتكررة على غزة ، وضم الأراضى من الأهالى ، وتطبيق قواعد الفصل العنصرى ، 70 عاما من قمع الفلسطينيين
ولم يتحرك أحد ، وأكد أن ” منظمة العفو الدولية ” تدعو الى إحالة اسرائيل الى المحكمة الدولية بسبب تلك الجرائم
وتسائل : هل سوف تدعموها ؟
ولعلنا تابعنا ردود أفعال الرئيس ” بوتن” على أفعال أمريكا اللاإنسانيه وتدخلها فى دول العالم الثالث ولعلنا تابعنا
الفيديو الذى إنتشر على وسائل التواصل الإجتماعى المنسوب لرئيسة إيطاليا تردّ فيه على اتهامات الرئيس
الفرنسي إيمانويل ماكرون للحكومة الإيطالية بالاستخفاف واللامسؤولية بالتعامل مع اللاجئين . وحقيقة الفيديو
لرئيسة حزب إيطالي يميني ، والتصريحات كانت منذ العام 2018 ، وهو إن دل على شىء إنما يدل على الإزدواجية
فى المعايير التى يقف أمام تبعاتها ويكتوى بنارها الغرب اليوم .