محمد يوسف العزيزي يكتب : العالم بعد حرب ( روسيا – أوكرانيا ) .. لن يكون كما كان  !

الكاتب الصحفي محمد العزيزي
الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا تبدو أنها حرب بين دولتين جارتين كانت إحداهما
تابعة للأخري في زمن الاتحاد السوفيتي الذي تفكك وتحلل بفعل أمريكا والغرب في وقت
سابق وهذا سبب من أسباب كثيرة لهذه الحرب ..
هذه الحرب رغم كونها حرب محدودة بين دولتين إلا أنها ليست ككل الحروب التي وقع مثلها
في السايق من حيث التأثير علي دول العالم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، وليس هناك
شك أن العالم قبل حرب روسيا – أوكرانيا سيختلف كثيرا من حيث إعادة النظر والجدوي
في تحالفات قديمة ، وبناء
تحالفات جديدة في ضوء ما تسفر عنه نتائج هذه الحرب التي ظهرت مقدماتها منذ عام
2014 بعد ضم روسيا لجزيرة القرم ، وما تبع ذلك من توترات في الإقليم غض المجتمع
الغربي الطرف عنها .
كما أنه ليس هناك شك من أن صقور أمريكا كانوا يخططون لهذه الأزمة حتي يتم استنزاف
روسيا عسكريا واقتصاديا وتفقد الصين – العدو الأساسي لأمريكا – حليفا قويا لها في مواجهة أمريكا ،
وحتي يسترد حلف الناتو الذي كان مهددا بالتفكك والانهيار بعد التصريحات التي جاءت علي لسان رئيس فرنسا أكثر من مرة في
الدعوة لإنشاء قوة أوروبية خالصة تواجه التحديات التي تعترض القارة العجوز وتتخلص من الهيمنة الأمريكية عليها ولاسيما بعد أن
أدرك بعض القادة الأوروبيون تعارض المصالح بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتهم بالصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم
، وبعد تحالف “أكوس ” الأمني بين أمريكا وبريطانيا واستراليا وصفقة الغواصاتالتي  أغضبت فرنسا وصنعت شرخا في جدار العلاقة
بينهما الصراع الحقيقي في هذه الحرب هو صراع إرادات وسباق علي إدارة العالم وقيادته بعد أن أظهرت الفترة الأخيرة تآكل في
النفوذ الأمريكي في مناطق كثيرة ، وحالة وهن أمريكي دفعها إلي الإنسحاب المهين من أفغانستان ، وفشل كل توقعاتها
ومعلوماتها الاستخبارية بشأنها ، وتقليص وجودها في العراق ، وضعف نفوذها في سوريا بعد تواجد النفوذ الروسي بقوة ، وخفوت
صوتها في الملف الليبي ، وتخبط سياستها في الملف الإيراني .. وغير ذلك مما دفع روسيا إلي حسم قرارها بشأن قضية أمنها
القومي وفرض سيطرتها علي دول الجوار لمنع حلف الناتو من الاقتراب منها وتهديدها ونصب صواريخه علي حدودها
الأسئلة التي ستجيب عنها نتائج هذه الحرب حال سكوت صوت المدافع وأزيز الطائرات كثيرة منها ..
 هل يصبح العالم متعدد الأقطاب – قطبين أو ثلاثة – أم يظل قطبا واحدا تقوده الولايات المتحدة
الأمريكية ؟
هل تستطيع روسيا فرض معادلتها للأمن القومي الروسي وأمن المنطقة بتحييد أوكرانيا ونزع سلاحها ؟ .. هل تستعيد ألمانيا
نفسها كقوة عسكرية من جديد وتغير معادلة الناتو ؟ .. هل يظل حلف الناتو علي هذا الوفاق والترابط في حال حققت روسيا أهدافها
أم سيسقط القناع عن وجه أمريكا ويدرك الأوروبيون أنه تم استخدامهم لحساب مصالح أمريكا ؟
رهانات الدول التي – لا ناقة لها فيها ولا جمل – في هذه الحرب تتوقف علي علاقاتها بأطراف الأزمة  .. روسيا  من جانب وأمريكا
ودول أوروبا الكبري بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا من جانب آخر ، وسوف تفرض تطورات الحرب وتداعياتها ضرورة اتخاذ مواقف
واضحة وصريحة من تلك الحرب لأن تداعيات الحرب الاقتصادية قاسية وعنيفة علي الشعوب والدول ذات الاقتصادات المتواضعة بعد أن
أصبح العالم قرية صغيرة !
قلت سابقا أن قرار دخول حرب ربما يكون سهلا إلي حد ما في ضوء معطيات الواقع وقت اتخاذ القرار .. لكن قرار ايقاف الحرب لا
يمكن التنبؤ به في الغالب بسبب تعدد الأطراف وتداعيات تلك الحرب عليها وفي تلك الحرب .. أظن أن بوتين لن يتخلي عن تحقيق
أهدافه مهما طال أمد الحرب ليستطيع مواجهة الشعب الروسي الذي يدفع كلفة هذه الحرب ،
وإلا سيكتب بيده نهاية حكمه وربما موته .. وتلك هي المأساة التي يعيشها العالم الآن !
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.