جلال حمام يكتب : هل تستطيع إسرائيل ضرب مفاعلات إيران النووية؟

الكاتب الصحفي جلال حمام
يرى الخبراء العسكريون أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، ووزير الدفاع، بيني جانتس، ورئيس أركان الجيش، أبيب كوتشافي، حول استعداد إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية نحو المفاعلات النووية الإيرانية، تصريحات لا طائل من ورائها، وهم يعرفون ذلك جيداً،
لكنهم يتظاهرون بقدرتهم على ذلك،وتدرك كل الأطراف ذات الصلة، إيران وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ذلك، ويدركون أن تل أبيب تلعب مع عدوها، طهران، وتستخدم الخداع والحرب النفسية الذكية، تماماً، كماتلعب مع مواطنيها،وهو مخطط. يصل حدخداع النفس.. وذلكأمر خطير.. ليبقى السؤال: هل تستطيع إسرائيل، حقاً، ضرب إيران؟.
ليس من الضروري أن تكون جنرالاً أو استراتيجياً عسكريا لتفهم ذلك.. يكفي أن ننظر إلى الخريطة، وإلى القوات العاملة في المنطقة، ونقرأ عن قوة القوات الجوية من مصادرها المتاحة.. هذه هي الحقائق..فمن أجل ضرب إيران، ومن أقصر طريق، يتعين على طائرات سلاح الجو الإسرائيلي أن تمر فوق بلدين هما العراق والأردن،
من الممكن أيضاًالمرور من فوق المملكة العربية السعودية، ولكن هذا من شأنه أن يطيل الطريق.. وأياً كان الطريق الذي تسلكه، سيتعين على الطائرات أن تحمل الحد الأقصى من القنابل والقذائف.. وحتى الطائرة الشبح F-35، التي صممت خصيصاً لمهمة تنفيذ غارة جوية في إيران، ستحتاج إلى تزويدها بالوقود في الجو، مما يؤدي إلى إبطاء العملية وزيادة خطر التعرض لهجمات مضادة.
ومن الناحية النظرية ـهكذا يرى يوسي ميلمان،الكاتب والصحفي الإسرائيلي،مراسلالاستخبارات والشؤون الاستراتيجية في صحيفة هآرتس ـ هناك احتمال آخر لطريق هجوم بديل: الإقلاع من أذربيجان، التي تشترك في الحدود مع إيران، وتحتفظ تل أبيب وباكو بتعاون استخباراتي وعسكري وثيق للغاية..
وكانت هناك تقارير تفيد بأن أذربيجان أقامت، أو وضعت تحت تصرف إسرائيل، مطاراً، يمكن للمقاتلات الإسرائيلية أن تقلع منه في طريقها إلى إيران.. ومن غير الواضح مدى دقة هذه التقارير..
لكن كل ما هو معروف بالتأكيد، هو أن الطائرات بدون طيار الإسرائيلية قامت بمهمات استخباراتية إلى إيران من أذربيجان، وفي إحدى الحوادث، سقطت طائرة إسرائيلية بدون طيار وجمع الإيرانيون حطامها.
على أية حال، فإن احتمالات سماح أذربيجان للطائرات الإسرائيلية بالعمل في سماءها ضد إيران ضئيلة وقد تصل إلى لا شيئ..فالتعاون الاستخباراتي السري شيئ،وشن حرب إسرائيلية ضد إيران من الأراضي الأذربيجانية شيئ آخر.. ومن شأن ذلك أن يغير قواعد اللعبة بين البلدين وفي جميع أنحاء المنطقة.. ومن شأن ذلك أن يثير رداً إيرانياً ضد أذربيجان، ولا ترغب باكو في التورط في حرب من أجل إسرائيل.
لنفترض أن الطائرات الإسرائيلية تمكنت من المرور فوق الأردن، ثم العراق أو المملكة العربية السعودية، دون أن يتم اكتشافها، أو أن تلك الدول قد تتعاون مع إسرائيل جدلاً.. لا يزال يتعين علينا أن ننظر في الوجود العسكري الهائل للولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا في جميع أنحاء الشرق الأوسط.. القوات الجوية والأساطيل البحرية وحاملات الطائرات والقواعد العسكرية ومحطات الرادار والاستخبارات.. وبالطبع هناك تركيا، المعادية ـ ظاهرياً ـ لإسرائيل والتي لديها وكالة استخبارات لها تاريخ في تسليم عملاء المخابرات الإسرائيلية إلى إيران.. باختصار، إن فرصة قدرة الطائرات الإسرائيلية على العمل بهدوء، وفي الخفاء، دون أن يتم اكتشافها،يعد لا شيئ تقريباً.
وإذا حدثت مثل هذه المعجزة، وإذا أرسلت إسرائيل جميع قواتها القتالية الجوية في هذه المهمة، فلا بد أن تكون عملية لمرة واحدة.. وعلى النقيض من ذلك، يمكن شن هجوم أمريكي على عدة موجات والانتشار على مدى عدد من الأيام أو الأسابيع.. وهو هجوم عارضته إدارات أوباما وترامب وبايدن، أو لم تجرؤ على الموافقة عليه.
وإذا افترضنا أن القوات الجوية قادرة على خداع أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية وتعميتها وتعطيلها، فإن الطائرات والقاذفات الهجومية، أثناء الضربة لمرة واحدة، سوف تضطر إلى الوصول إلى عشرات المواقع النووية، التي وزعتها إيران على مختلف أنحاء البلاد، وتدميرها.. كما سيتعين على الطائرات الإسرائيلية أن تضرب ـ إما قبل ضرب المواقع النووية أو جنباً إلى جنب ـ مراكز القيادة والسيطرة ومراكز الاتصالات والأنظمة المضادة للطائرات.
إنها مهمة معقدة للغاية، ومستحيلة عملياً وكبيرة جداً، بحيث لا يمكن للقوات الجوية الإسرائيلية أن تتولى القيام بها.. وهنا، علينا تذكر أن بعض الطائرات الإسرائيلية، من شبه المؤكد أن تضيع خلال الطلعات،وسيواجه طياريهاالقتل أو الأسر.. ومن المؤسف، أن عشرات المليارات من الشيكلات تُهدر في تجهيز القوات الجوية لهجوم لن يحدث.. وقد حدث الشيئ نفسه في عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
وحتى لو دمرت المواقع النووية الإيرانية كلياً أو جزئياً، فقد قام العلماء الإيرانيون بتخزين المعلومات والخطط، ولا يمكن تدميرها.. لقد رأينا إيران تستخدم هذه المعرفة لإعادة بناء المرافق التي تم تخريبها في العمليات المنسوبة إلى الاستخبارات الإسرائيلية من قبل.. وليس هناك ما يمنعها من إعادة البناء مرة أخرى في المستقبل.. لذا، ما هي الفائدة من تقليص البرنامج النووي الإيراني لمدة عام أو عامين فقط، بهذهالتكلفة المرتفعة، ومع وجود الكثير من المخاطر المرتبطة به؟.. علاوة على ذلك، فإن أي عملية عسكرية إسرائيلية ستقابلها إدانة دولية، بل وربما تؤدي إلى فرض عقوبات على تل أبيب.. والأهم من ذلك، سيكون لإيران مبرر مشروع لإعادة بناء وإعادة تطوير برنامجهاالنووي.. وفي مثل هذه الحالة، لم يعد بإمكان العالم معارضته.
وهناك خطر محتمل أكبر: فإذا تمكنت إسرائيل بطريقة أو بأخرى من ضرب المواقع النووية الإيرانية، وبدلاً من إعادة البناء، فقد تطالب إيران بنزع السلاح النووي في الشرق الأوسط بالكامل، أي مطالبة إسرائيل بتفكيك السلاح النووي الذي يعتقد الجميع أنها تمتلكه.. وفي مثل هذا السيناريو، هل ستتمكن الولايات المتحدة من الاستمرار في الدفاع عن إسرائيل، كما فعلت حتى الآن، في كل منتدى دولي، بما في ذلك مجلس الأمن، وتمكينها من التمسك بسلاحها النووي؟.
إن إسرائيل ليس لديهاأي خيارات جيدة.. إنها على مفترق طرق تاريخي.. الضربة العسكرية لإيران ليست عملية، لجميع الأسباب المذكورة أعلاه،وهدف إيران من محادثات فيينا، هو كسب الوقت لمواصلة تسريع برنامجها إلى أن تصبح دولة نووية أو أن تصنع سلاحاً نووياً.. من ناحية أخرى، فإن ضعف إدارة بايدن، وعدم الرغبة في مواجهة إيران، يعني أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق جديد، فإنه سيكون مليئاً بالثغرات.. وهذا سيمكن إيران من مواصلة دعم برنامجها النووي والنهوض به.. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، ولم تُرفع العقوبات، كما هو متوقع في واشنطن، فإن الوضع الراهن مستمر، وطهران ستواصل دفع برنامجهاالنووي قدماً.
وفي ظل هذه الظروف، تحتاج إسرائيل إلى فتح حوار مع إدارة بايدن، أملاً في التوصل إلى اتفاق مفتوح، تتعهد فيه واشنطن بمنح إسرائيل والحلفاء الآخرين في المنطقة ـ إذا رغبوا في ذلك ـ مظلة نووية.. وهذا من شأنه أن يجبر إيران على الاعتراف بأنها إذا طورت سلاحاً نووياً، فإنها لا تستطيع استخدامه لتهديد إسرائيل أو جيرانها.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.