” شعور بالراحة ” قصة قصيرة للإعلامي محمود عبد السلام

الكاتب محمود عبد السلام
قال لنفسه وهو يعبرالطريق .
– الاختيارات اصبحت محدودة والحلول شحيحة ويد المساعدة التى كانت تمتد قطعت بفعل قلة الرزق وندرة العمل فى مدينتا.
لا اعلم منذ متى والاحوال هكذا . لا فائدة من اجترار الذكريات ، الحقيقة هى اللحظة التى نعيشها الآن ، الماضى محطة مر عليها قطار الحياة ومضى ، والقادم محطة اخرى لاندرى سنصل اليها ام سيكون للقدر رأيُّ اخر .
الولد البكرى ذاهب غداً الى التجنيد عام كامل سيقضيه بعد التخرج دون عمل سيحتاج الى مصاريف ، والبنت تنتظر
منى ان اعود اليها بحلول لتوفير نفقات جاهزها ،
خطيبها المهذب لم يطالبنى بشئ لكنى ارى فى عينه الاتهامات لى بتاخير زواجه .
وزوجتى اختفت البسمة من على وجهها ، تخلص فى الدعاء كل ليلة بالرزق والستر وتنتظر قدومى كل يوم لعلها
تسمع خبراً يسعدها
لا تعلم ان صاحب العمل استغنى عن خدماتى انا وبعض العاملين منذ فترة .
لا اطيق ان اجلس فى البيت ، تطاردنى عيونهم تسالنى ولا اجابه ، اخرج يومياً فى ميعاد العمل لا اعلم لى اتجاهاً
احياناً اركب اتوبيساً ذهاباً واياباً ومرة اخرى اذهب الى شاطئ النيل اجلس حتى المساء ، او اسير فى الشوارع على غير هدى
يهزنى الجوع والعطش ، لم يعد التسكع فى الشوارع ولا ركوب المواصلات ولا الجلوس عند شاطئ النيل حلاً للطواحين التى تضرب راسى .
حتى جاء اليوم الذى قابلت فيه عطيه ابو ايد اشهر شحاذ فى منطقة وسط البلد يمتد نفوذه من ميدان التحرير الى
ميدان الأوبرا . اكثر من خمس عشرة من الاعوام وهو متمركز على نواصى الشوارع الرئيسية بجانب المحلات
الكبرى . صنع ثروة كبيرة ويقال انه يمتلك سيارة وشقة فاخرة . لم يكتف عطية بالشحاذة فقط ، وانما ادرك ان خبرته
يجب ان ينقلها الى الاجيال القادمة من الشحاذين ، فصنع جيلاً جديداً علمه ودربه ووزعه على شوارع وسط البلد
فى مقابل يومية ياخذها من صبيانه اخر كل ليلة ، ما فى احد من مخبرين قسم قصر النيل الا ويعرفه ويعمل معه
فى مقابل شهرية لغض الطرف عنه وعن صبيانه .
عندما طلب احدهم منى حسنة وانا اهيم على وجهى مكفهر يضربنى الهم . فشعر انه امام شحاذ مثله ولكنه
يملك من الكبرياء مايمنعه من السؤال ، بعد حديث لم يَطُلّ طلب منى مقابلة عطية ابو دراع وعرض مشكلتى عليه
مؤكداً على شهامته وانسانيته . فى المقابلة الاولى تعرف علىّ وعلى ظروفى وفى المقابلة الثانية عرض علىّ
العمل معه فى مقابل يومى يتخطى نصف مرتبى فى الشهر الذى كنت اتقاضاه وفى الثالثة تلقيت التدريب اللازم
وقبلت العمل ، واليوم هو اول يوم لى فى العمل الجديد ها انا يفصلنى عن مقر عملى امام احد محلات الملابس
الشهيرة بقصر النيل سوى عبور الشارع . كلما هممت بالعبور اتردد ويتملكنى الفزع ان يرانى ابنى او خطيب ابنتى
وانا امد يدى للماره ، فأعود الى ادراجى واقول لا لن افعلها ، ثم ما ألبث ان تطاردنى مصاريف جهاز ابنتى واحتياج
ابنى وسؤال زوجتى فأتشجع للعبور وظللت على هذا الحال من التردد حتى جاءت تلك السيارة وانا اعبر فى
منتصف الشارع ، وكانت خلفى اسرتى وامامى عملى كشحاذ ، فصدمتنى واطاحت بى خارج الشارع والحى
والمدينة ووجدتنى ارتفع فوق كل ذلك نحو السماء ، فغمرنى شعور بالراحة والسعادة والهناء
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.