في عالم اليوم يمكن القول أنه عالم القوة ، ومن يمتلك القوة في أي شكل من أشكالها العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية يستطيع الإفلات من ويلات تقلبات هذا العالم
تعلمنا من دروس التاريخ وقراءة أخبار الحروب وما عايشناه في عمرنا علي مدي أكثر من ستين عام أن قرار الحرب يكون في يد من يطلق رصاصة بداية الحرب
إلا أنه في الغالب لا يكون قرار إيقاف الحرب في يد من أطلقها – والأدلة علي ذلك كثيرة منها حرب اليمن التي بدأت ولم تتوقف حتي الآن وكان مقدرا لها أن تنتهي في 3 شهور – وهنا تكمن الخطورة وتقع المأساة التي يدفع ثمنها الشعوب بين قتيل ونازح ولاجئ بالمئات والملايين
الحرب التي تدور رحاها بالوكالة علي الأرض الأوكرانية ربما تتوقف عملياتها العسكرية بين يوم وآخر عندما تتحقق أهداف روسيا منها .. لكن الأزمة أو الحرب بمفهومها الشامل لن تتوقف قريبا ..
بل سوف تمتد آثارها السياسية والاقتصادية لتطال العالم كله لأنها ليست كالحرب التي تدور من سنوات علي الأراضي السورية أو الأراضي اليمنية في منطقتنا أو كتلك التي كانت في أفغانستان وانتهت بخروج الأمريكان لتعود تلك الدولة كما كانت قبل الغزو بعشرين عاما في يد طالبان ومرتعا للإرهاب
الحرب علي الأرض الأوكرانية هي حرب إرادات دولية بين روسيا التي تسعي لتعود قطبا دوليا كما كان الاتحاد السوفيتي في الماضي القريب واستطاعت أمريكا والغرب تفكيكه ،
والجميع يعلم الأدوار التي لعبها جورباتشوف ومن بعده يلتسين الذي وقع علي قرار تفكيك الاتحاد السوفيتي لحساب أمريكا والغرب لتنتهي بذلك حقبة الحرب الباردة ويقع العالم تحت سيطرة القطب الواحد الذي تقوده أمريكا
أدت سياسة القطب الواحد إلي سيطرة أمريكا وحلفائها الغربيين علي المنظمات الدولية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية لإحلال السلام وحل النزاعات بين الدول ،
وأصبحت مشاكل وأزمات الدول تدار بانتقائية كاملة بل – وهذا هو الأخطر – تحول نظام القطب الواحد إلي صانع للأزمات والحروب سعيا وراء تحقيق مصالحه سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو لبناء تحالفات للسيطرة علي المناطق الحيوية في العالم ، والاقتراب من حدود أعدائه
العالم يقف علي أطراف أصابعه لأن روسيا اجتاحت أوكرانيا رغم أن الأزمة والحشود كانت من أشهر سابقة علي الاجتياح ولم يتحرك النظام العالمي لحل الأزمة إلا بالمناشدات والتحذير ،
والآن يفرض العقوبات ويلوح بتوسيع قاعدة الحرب بين دول حلف الناتو ومعهم أمريكا ضد روسيا ، ويبحث توفير المساعدات لللآجئين والفارين من ويلات الحرب
بينما لم يتحرك لحل الصراع الدائر في سوريا أو اليمن أو يسعي لإعادة العراق كدولة كما كانت قبل الغزو الأمريكي ، ولا يبحث في حلول جدية للأزمة الليبية .. أو أزمة السد الأثيوبي الذي يضع منطقة القرن الأفريقي علي حافة الحرب عندما يقع ضرر وجودي علي دولتي المصب !
النظام الدولي الآن صار عاجزا عن تقديم حلول للحروب الدائرة والأزمات المزمنة في كثير من بقاع الأرض .. النظام الدولي يدير الأزمات ولا يحلها ، ويديرها بانتقائية وحسابات خاصة ،
وربما – لا أحد يدري – يكون متواطئا مع أطراف في المشهد لا نراها
الحرب ستتوقف .. لكن تداعياتها علي العالم وعلينا لن تنتهي قريبا ، والذي سينجو من تداعياتها هو من يملك القوة في أي شكل من أشكالها ويملك الحكمة في إدارة سياساته وعلاقاته الخارجية في عالم صار علي المحك من جدوي تحالفاته القديمة وظهور قوي جديدة سوف تشكل أقطاب متعددة في العالم
أصل الحكاية .. هي في الإجابة علي هذا السؤال .. ماذا لو أطلقت أمريكا صاروخا نوويا علي روسيا من أقرب نقطة علي حدودها ؟ ما هو الوقت اللآزم لروسيا لتستطيع رد الضربة في الأراضي الأمريكية ؟
الإجابة علي السؤال تشرح لماذا يرفض بوتين أن تكون أمريكا علي حدوده المباشرة أو أي منظومة صواريخ متقدمة لحلف الناتو حفاظا علي أمنه القومي !
الصراع بين روسيا وأمريكا كأعداء تقليديين هو تقليل زمن الإنذار المبكر بينهما لأقل زمن في حال حدوث حرب بينهما ، وهو جوهر الحرب العسكرية الباردة ..
تماما كما فعلت اسرائيل باقترابها من إبران بعد التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة في حال لو قررت توجيه ضربة لإيران بدلا من المرور فوق الأراضي الأردنية والعراقية للوصول إليها
في حين تمتلك أيران صواريخ باليستية يصل مداها لأبعد من اسرائيل إضافة إلي تواجد حزب الله ذراع إيران العسكري في لبنان علي بعد خطوات
في النهاية الشعوب هي من تدفع الثمن ولتذهب المنظمات الدولية التي تكيل بألف مكيال إلي الجحيم