سكون تام يبسط أجنحته على اركان البيت ، الجميع يغطون في نوم عميق ، يستيقظ الأب على صوت منبه هاتفه المحمول ليجد كل المصابيح مطفأة إلا مصباح الحجرة المقابلة والذي يتسلل ضياؤه ليمر أسفل الباب ، وبرغم علمه بالإجابة ، إلا أن سؤاله المعتاد يعود ليطرح نفسه في صمت مجددا لديه شعورا بعدم الرضا : لماذا يظل نافع مستيقظا إلى هذا الوقت المتاخر ؟ إنه يدمر صحته كما يدمر الوقت في اللهو ، وهذا التقدم التكنولوجي سيؤدي لكوارث عديدة إن أسأنا التعامل معه . تتجه أنظاره نحو الباب ، يفكر في الدخول ، يتردد قائلا لنفسه : لقد أهديته النصح كثيرا ولكنه لم يستجب ، بل كان يلومني على نصائحي له ، لكن الأمل في الله أن يهديه ويصلح شأنه وشأن جميع الشباب .
الجو يفصح عن برد شديد لدرجة الصقيع حتى داخل الحجرات المغلقة ، يرفع الرجل يديه : يا الله ، رحمتك بالضعفاء والمرضى ومن فقدوا المأوى والمسكن ، إننا لا نقوى على ذلك ونحن في بيوتنا ننعم بكل نعمك وبين تلك الجدران التى تخفف عنا ما نشعر به ، فكيف بمن ينامون في العراء وفي الخيام وتحت الأمطار الشديدة والرياح العاصفة ، اللهم رحماك بهم ، اللهم كن معهم . يتذكر الرجل أن السخان تعطل بالأمس وأن ماء الصنبور أقرب إلى الثلج ، ربما يكون ذلك اختبارا من الله لكنه سوف يعينني على أداء فريضة تعد بابا من أبواب النصر ، هل يأتي يوم نرى في صلاة الفجر نفس العدد الذي يحرص على صلاة الجمعة ، تلك أمنية سوف تتحقق متى أراد الله ذلك وحينها سيأتي النصر .
الصلاة خير من النوم ، عبارة تخترق أذني نافع ، ينتبه ثم يقف عند سماعها مرة أخرى ، يختم ما يقرأ من كتاب الله ، يفتح باب حجرته ليجد والده يتوضأ ، يقترب سائلا إياه : هل تريد شيئا يا ابي ؟ يشكره الأب كاظما غيظه داعيا الله أن يهديه ، ينهي الأب وضوءه ، يستكمل ارتداء ملابسه ، يصفف شعره ، يتناول حذاءه النظيف متجها صوب الباب ، يوقفه صوت نافع : أبي ، أرجو أن تنتظر قليلا ، سأتوضأ واذهب معك للصلاة بالمسجد ، يتراقص قلب الرجل فرحا ، تغمر وجهه ابتسامة عريضة ، يرسل لابنه نظرات إعجاب وثناء ، يتعانقان بشدة ، يعتذر الابن عما مضى ، يقول الأب : الحمد لله ، ما ضاع دعائي لك هباء ، أسأل الله لكم الهداية والتوفيق أيها الشباب ، فأنتم الامل القادم .