” اختبار ” .. قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

الأديب محمد الشرقاوي
أثار دهشة السكان في تلك القرية النائية ما تفصح عنه تلك اللافتة المعلقة على باب المحل الصغير الذي يمتلكه العم نافع خياط القرية ،
أصبح الجميع يتبادلون الأسئلة دون الحصول على إجابة مقنعة : لماذا يغلق العم نافع محله لمدة أسبوعين ؟ ومن أين يقتات ؟
ومن هم أقاربه الذين سوف يزورهم ؟ وأين هم ؟ ولماذا لم نسمع عنهم قبل الآن ؟ ،
هكذا صار حديث الناس في المنازل والطرقات وبدا التأثر واضحا على الوجوه ، فيداه كما يصفهما الجميع تستحقان أن تلتفا في الحرير نظرا لخبرته الطويلة والتي يضاف إليها إبداعه في عمله وحسن معاملته .
تهدأ الزوجة قليلا بعد أن سألت كثيرا عن أسباب الرحلة وهي تعلم عدم صلته بأقاربه منذ سنوات ثم تمضي متأثرة في تهيئة حقيبته فتضع بعض الملابس والجوارب والأوشحة الصوفية وتضع أعلاها مصحفا تعود الرجل القراءة منه ،
توصيه بالاهتمام بنفسه وصحته واستمرار التواصل معهم عن طريق الهواتف المحمولة فيعيد لها النصح بمراعاة شئون البيت وتذكير أولادهما بالصلاة في وقتها واستذكار دروسهم
وعدم الاحتكاك بجيران السوء الذين يعانون منهم ويصبرون على أذاهم ، تطمئنه الزوجة قائلة : لا تقلق فإن الله معنا وهو خير الحافظين ،
يزداد العم نافع ثقة وتفاؤلا فيبتسم لها ويعطيها ما معه من النقود إلا قليلا يحتفظ به لقضاء رحلته .
لحظات تمضي يأتي بعدها صوت الحاج صادق مناديا من الخارج : هيا يا حاج نافع ، أخشى أن تتأخر عن موعدك ، يشير نافع لزوجته بإحضار الإفطار مع كوبين من الشاي فتمضي ملبية على الفور ،
ثم يفتح الباب مرحبا بصديقه داعيا إياه للجلوس ، يتبادل الرجلان أطراف الحديث بصوت هامس :
– صادق : هل أخبرت زوجتك بحقيقة الرحلة ؟
– نافع : لا ، لم أفعل ، خشيت أن تخبر أحدا من الأولاد .
– صادق : حسنا فعلت .
– نافع : ولكني سأتابع اخبارهم على مدار الساعة .
– صادق : أنت في اختبار صعب أعانك الله .
تعود الزوجة بطعام الإفطار وكوبين من الشاي فيقدم الحاج صادق الشكر لها ولزوجها داعيا لهما بالبركة في العمر والرزق والأولاد ، ترد الزوجة بأدب جم ثم تنصرف ،
يستأنف الرجلان حوارهما ، يقول نافع : نعم يا رفيق العمر ، إنني في اختبار صعب ، فمنذ جاءني كبير اللصوص يطلب مني خياطة أثواب له ولأولاده بمناسبة زواج أصغرهم وانا في حيرة وقلق ،
فلو رفضت فلن أضمن العواقب ، ولو قبلت فلن أرتاح من عذاب الضمير والخوف من الله .
يطمئنه صادق قائلا : لقد اخترت رضا الله وسوف تقيم عندي لحين انقضاء هذا العرس المشئوم ولا يعلم أحد أنك لن تغادر القرية ،
يبتسم نافع معربا عن فخره بصديقه قائلا : أرجو ألا أكون ضيفا ثقيلا ، يستنكر صادق مفصحا عن سعادته لأنه يقيم وحيدا منذ وفاة زوجته وسفر ولديه إلى إحدى بلاد النفط للبحث عن عمل ،
ثم ينطلق الرجلان وهما يدعوان الله بالتوفيق والسلامة .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.