” لكل داءٍ دواءٌ يُسْتَطَبُّ بهِ ، إلاّ الحماقَةَ أَعيتْ من يُداويها ” تذكرت تلك الحكمة وأنا أتابع الجدل المثار على وسائل التواصل الإجتماعى وردود الأفعال الغاضبة على الهجمة الشرسة التى يتعرض لها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من بعض ” الجهلاء ” بعد أن أعاد الإعلامى عمرو أديب فى برنامجه ” الحكاية ” الذى يذاع على شاشة mbc مصر ، فتوى قديمة للإمام الأكبر من برنامج ” مع الطيب ” الذى يذاع على شاشة القناة الفضائية المصرية منذ أكثر من عامين تقريبا حول ” تأديب المرأة ” والتى أجاز فيها الضرب فى
حالة ” النشوز والتكبر ” وقال : إنه أمر مباح لمواجهة الزوجة الناشز وكسر كبريائها وصولا للحفاظ على الأسرة من الضياع والتشرد ، وأكد أنّ الموضوع له ضوابط وشروط ، وأن هذا المباح يمكن التغاضي عنه إذا ترتب على إستعماله ضرر .. إلخ
وفى مداحتله الهاتفية مع عمرو أديب شن ” إسلام البحيري ” هجوما لاذعا على الرأى الذى قاله شيخ الأزهر وقال: إن رأي شيخ الأزهر مخالف للدستور والقانون ، وأن كلامه خطأ وضد الدستور ، ولا يوجد ما يسمى الضرب بشروط . وأضاف “ فكرة فتح الضرب لأن الزوجة ردت على زوجها يخلق دولة في الغابة وضد الدستور والدستور أقوى من أي مؤسسة في مصر” .. إلخ
وهنا لابد أن أنوه إلى أن إحتكار الرأي والصواب ليس من شيم العلماء وأهل الحكمة ، والإمام الشافعي – رحمه الله – له مقولته المشهورة ” رأيي صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ ، ورأيُ غَيري خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ ” وعلينا أن ندرك الخيط الرفيع بين ” الرأى ــ والتحريض ” .
فى البداية دعونا نتفق أن السبب الرئيس فى ” الهرى ” الذى يحدث فى مصر هو الفوضى التى يعانى منها الإعلام المصرى ، لعدم وجود ضابط ولا رابط فى مايقال ومالايقال ، وأن رسالة الإعلام حاليا تعتمد على إثارة القضايا التى تثير الفتن والبلبلة فى المجتمع ، وهو ما نحذر ولانمل من التحذير منه ، أن الإعلام فى مصر يمر حقيقة بأزمة شديدة ، وأن الدولة يجب عليها أن تضع ملف الإعلام أولى أولوياتها وهى بصدد الإعلان عن الجمهورية الجديدة إلى جانب دراسة ملف تجديد الخطاب الدينى ، وأعتقد أنها من أخطر الملفات التى تواجه مصر بعد حربها على الإرهاب ، لأن سلاح الإعلام هو من أقوى الأسلحة التى يمكن أن تهدم أعتى الدول والإمبراطوريات بين ليله وضحاها ، وكذلك إنحراف الخطاب الدينى عن مساره الطبيعى لايقل خطورة عن ذلك .
إن ظهور من يتعمد الإساءة الى الرموز الدينية أو هدم القيم والثوابت فى الدين أو التشكيك فى الكتاب والسنة أمثله يوسف زيدان وبحيرى وغيرهم ، وإفساح مساحة إعلامية لهم ، هو أمر فى غاية الخطورة ، على أمن وإستقرار الوطن ، وخاصة على الأجيال الجديدة التى تأخذ العلم ” تيك ـ أواى ” إذن المسألة فى غاية الخطورة
وهذا الأمر لاتقل خطرا على تجاهل الإعلام الرسمى للدولة والإستعانة بإعلام بديل لايثمن ولايغنى من جوع وأعتقد أنه قد فشل فشلا ذريعا ، بعد أن أنفق عليه ” الكثير ” والحقيقة أنه لايوجد دولة على وجه البسيطة يتماهى فيها الإعلام إلى هذا القدر الذى بات مهددا لـ أمن الدولة نفسها ، وأعود لـ أذكر دولتنا الموقرة بحكمة
” الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل” تلك الحكمة البليغة المأخوذة من رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه لـ ” أبي موسى الأشعري ” والتي يقول فيها ” لا يمنعك قضاءٌ قضيتَه بالأمس راجعت فيه نفسك ، وهُديت فيه لرشدك أن تراجع الحق ، فإن الحق قديم ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل “
وأنا أرى أنه وإن كان لابد للإعلام أن يناقش مثل تلك القضايا ، وإن كان مقدم البرنامج يريد أن تعم الفائدة فى مسألة خلافية فى الفقة ، وأن ” اختلاف الفقهاء رحمة ” وأن هناك شروطا وضوابط للإختلاف المشروع ، لأن هناك إحتلاف قد يكون ” نقمة ” تصل إلى تشتيت الإذهان وتشويه صورة الإسلام .. إلخ
لذلك كان حتما ولزاما على مقدم البرنامج لو أراد أن ينافش قضية خلافية فى الفقه أن يستضيف ” علماء ”
من ذوى الخبرة والتخصص فى أصول الفقة والفقة المقارن والشريعة .. إلخ لـ يستعرضوا مختلف الآراء والأقوال والاجتهادات الفقهية التي تحقق الهدف من الإختلاف الذى وهو “الـ رحمة ” للأمة ، ويستعرضوا أوجه الإختلاف ذلك الاختلاف الذي يثري الحياة الفقهية والفكرية ، والذى يجسد مرونة الشريعة الإسلامية ، وتجددها ، وقابليتها للتعايش والانسجام وتخطيها حدود الزمان والمكان وفقا لـ كل عصر ومافيه من مشكلات وأزمات وتطلعات .
إنما تترك الأمور هكذا ” سدى ” للـ جهلاء الذين يتطاولوا على العلماء ، وهنا لابد ان نذكر قول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ﴾ والحديث الصحيح لـ رسول الله ﷺ ” ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف شرف كبيرنا ” ، وبما قيل عن الجهل والجهلاء
فى الحكم والأمثال ومنها قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : لا غنى كالعقل ، ولا فقر كالجهل ، ولا ميراث كالأدب ، ولا ظهير كالمُشاورة . وقول إبن قتيبة : لا يزال المرء عالمًا ما دام في طلب العلم ، فإذا ظن أنّه قد علم فقد بدأ جهله . وقول جورج برنارد شو : انتبهْ .. ادّعاء المعرفة أشد خطرًا من الجهل . وقول سقراط : العلم هو الخير والجهل هو الشر. وقول أرسطو : من لم ينفعه العلم لم يأمن ضرر الجهل .. وغيرها الكثير .