” أحلام ” .. قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

بهدوئه المعتاد ، يواصل الأستاذ حازم صعوده فوق درجات السلم المؤدية إلى الطابق الخامس والأخير لمتابعة العمل في الحصة الخامسة والتي تلي وقت الراحة ( الفسحة )
وعند وصوله يقف لحظة ليرسل نظرة فاحصة يكشف بها كل أركان المدرسة ، خمس عاملات للنظافة في الفناء حيث تبدو كل منهن ألة من آلات المصانع التي لا تتوقف ، بيدها مكنسة عريضة وبجوارها جوال ضخم يكتظ بالقمامة ولا يزال الفناء مزدحما في كل جوانبه بتلال أخرى تبدو مثل قمم الجبال المتناثرة التي يبصرها قائد وركاب الطائرة ، يعض على شفتيه كاظما غيظه ويمنع أسئلة ملحة تكاد تقفز من عينيه : لماذا كل هذه القمامة ؟
وما ذنب العاملات في كل هذا العبث الشديد ؟
إن بعضهن متقدمات في العمر ويبدو عليهن التعب والإرهاق ، لكن لابد من مكافأتهن على هذا الجهد الشاق وتعويضهن عن ضعف الراتب الشهري الذي لا يفي بمتطلبات الحياة لأسبوع واحد .
تدور عيناه بين لافتات الفصول لتستقر على واحدة مكتوب عليها : فصل ٢ / ٨ ، تقوده قدماه حتى يصل إلى الباب المغلق ، يطرقه مرة تلو الأخرى ثم يفتح له الأستاذ منسي صارخا في وجهه : من أنت وماذا تريد ؟ ولكنه سرعان ما يمعن النظر إليه فيعتذر على الفور : لم أعلم أن سيادتكم بالباب ,
ثم يأمر الطالبات بالوقوف تحية لهذا الزائر والمسئول الكبير ، يقترب منه حازم هامسا في أذنه بغسل وجهه من آثار النوم المرسومة فوق ملامحه فيمضي مستجيبا على الفور
بينما يدون حازم في كراسته كل ما يلاحظه من سلبيات منذ بدء زيارته حتى يستطيع إصدار قرارات فعالة لمحاسبة المقصرين ولعلاج تلك السلبيات
تتجول عينا حازم في جنبات الفصل ، السبورة نظيفة تماما إ لا من هذا العنوان : أهمية النظافة ، أمام كل طالبة كوب من الشعرية التي يسمونها ( إندومي ) وكيس أو إثنان من البطاطس ( الشيبسي ) وزجاجة من مشروب غازي ( كانز ) ،
يسأل مستنكرا : هل هذه الأشياء وجبة مدرسية أساسية يتم منحها للجميع ؟ فتجيبه إحدى الطالبات بالإجابة التي يعلمها : هذه الأشياء يتم شراؤها من مقصف المدرسة ، فيسألها : أين كتابك وكراستك ؟ فتعتذر لعدم إحضارهما ،
ثم يسأل عمن أحضرت أدواتها المدرسية فتزداد دهشته عندما يتأكد أن جميعهن لم يحضرن أدواتهن منذ بداية العام رغم تسلمهن للكتب المدرسية ، يلفت انتباهه انتشار الأكياس والزجاجات الفارغة أسفل المقاعد وبين الصفوف ، يعود فيسأل : أليست لديكم سلة للمهملات ؟
تشير إحدى الطالبات قائلة : موجودة خلف الباب ، يرسل نظرة واحدة لكنها تعود إليه بصدمة شديدة ، السلة ممتلئة عن آخرها والأرض حولها مفروشة بما يقع منها ،
يطلب عاملة النظافة المسئولة عن هذا الفصل فتاتي السيدة أحلام على الفور ، وقبل أن ينطق بكلمة واحدة تؤكد له أن هذا الفصل تم تنظيفه صباحا قبل حضور الطالبات وسيتم تنظيفه بعد انصرافهن ،
ثم تقول : لي حلم يؤرقني ، يسألها : ما هو حلمك ؟ تقول والدموع تكاد تطل من عينيها : ليتكم تعلمونهن النظافة وكيفية تطبيقها في الواقع ، يشكرها حازم أمام الطالبات ويعدها وزميلاتها بتكريم يليق بما يقمن به من عمل شاق .