عبد الناصر البنا يكتب : أصل الحكاية ( 1-2 )

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
أصل الحكاية إن إللى سبقونا قالوا التعليم زى الميه والهواء ، وكانوا يقصدوا ” مجانية” التعليم ، عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين كان عاوز التعليم يوصل لكل القرى والنجوع ،
كان عاوز أبناء الفلاحين يتعلموا زى أولاد الأغنياء بغض النظر عن نشأتهم أو ظروف أهاليهم ، يعنى من الآخر كان بينادى بمجانية التعليم وأن التعليم حق للجميع بمعنى تكافؤ الفرص .
والحقيقة أن الهدف نبيل ومعنى أن التعليم كالماء والهواء يعنى أن يكون الحصول عليه سهلا مثل الحصول على الماء والهواء ، مصر والحمد لله حققت هذا الهدف ،
وأصبحت مجانية التعليم أمل لارجعه فيه ، بل وأصبحت هدفا ضمن أهداف ثوره يوليو 1952 ” إقامة عدالة إجتماعية ” .. إلخ
إنهارده بعد أكثر من نصف قرن من حلم مجانية التعليم هل أصبح التعليم مجانا كالماء والهواء ؟
فى قصتى إجابتى ، فإنتبهوا لها جيدا ،
بعد بدء الموسم الدراسى بشهر تقريبا وجدت فى الشارع الذى أسكن فيه طفلين فى عمر الزهور ، توقفت أمامهما وسألت الأول إسمك إيه قال عمرو علاء فى سنه كام قالى الصف السادس الإبتدائى ، وإنت عبدالله علاء فى سنه كام قال الصف الرابع ،
إنتو إخوات قالوا أيوه فى مثل هذه الأحوال إعتدت أن أختبر قدرات كل واحد ، سؤال عربى ، على مسألة حساب ، على سؤال ذكاء ، بسم الله ماشاء الله العيال كانوا ” عباقره ” والله بكل ماتحمله الكلمة .
طيب إنتو ماشاء الله شطار ، مارحتوش المدرسة ليه ، نظر الولد الأكبر إلى الأرض وبعيون تملأها الدموع قال بابا ماعرفش يعمل لنا تحويل من مدرستنا على هنا ،
قلت ومدرستكم فين ، قالوا لى فى المنيا ، يانهار أبيض وأبوكم فين ، أشار الولد الصغير بأصبعه وقال هناك ، بقصد البيت الذى يعمل فيه الأب حارسا للعقار ،
وعلمت منه أنه حضر من محافظه المنيا سعيا وراء لقمة العيش عندما وجد فرصة عمل ، وضحى بمستقبل أولاده لضيق ذات اليد ، وأمام الروتين قال سلمت أمر الأولاد لله ، وقلت يذاكروا فى البيت ، ووقت الإمتحان آخدهم وأروح البلد يمتحنوا !!
قلت له الولاد ماشاء الله أذكياء قالى أنا حاصل على دبلوم وعارف ، ولكن ما باليد حيله ، أنا بدون عمل منذ فتره وماصدقت ألاقى فرصة أأكلهم ولا يتعلموا ، بمنطقى أنا قلت يتعلموا ،
قال طيب أعلمهم من فين ، وظلت إجابة هذا الشاب يتردد صداها بداخلى طول اليوم ، إحنا بلد تعداده 100 مليون وأغلب الناس ينقصها الوعى وللأسف فرص العمل قليلة والأعباء والمعيشة صعبة ، لكن إلى الحد الذى يضحى فيه أب بمستقبل أولاده ، أسئلة كثيرة دارت فى رأسى ،
لكن الواقع يقول أننا فى زمن إللى معاه يتعلم وإللى معهوش ربنا يتولاه ، حاصل القول أنى عقدت العزم على إنقاذ الطفلين من التسرب من التعليم ، وإستعنت على الشقا بالله .
بدأت رحلة البحث فى المدارس الحكومية القريبة من سكنى بعد أن قمت بعمل بعض التحريات الازمة مع حراس العقارات المجاورة وسؤالهم عن مدارس أولادهم ، وأيها أفضل وقد أجمعوا أن المدارس كلها أسوأ من بعضها ،
وهنا تذكرت شابين فى الصف الثانى والثالث الإعدادى إلتقيتهم فى محافظة الفيوم منذ فتره وكانا يعملان بالزراعة ، وكالعادة أدرت حوارا معهم ،
وما أن بدأت أوجه لهما الأسئلة ، أجابا أحنا مانبعرفش نكتب أسامينا ، قلت طيب وصلتو إزاى للإعدادية قالوا المدرسة بتنجحنا ، قلت إزاى ،
قالوا بيدخلوا لنا الكتب فى الإمتحانات ويقولوا لنا إنقلوا الكلام إللى فى الكتاب دا فى كراسة الإجابة وبينجحونا !!
فى أول مدرسة قابلت المدير وكان رجل مهذب جدا حكيت له حكاية الأولاد ، وبعد أن إنتهيت قال لى إنت عارف كثافة الفصل عندى كام ، أشرت بالنفى ، قال 110 تلميذ فى الفصل ،
فى رأيك أقدر أزيد على هذا العدد ، قلت لا وإنصرفت ، وإلتقيت مدير المدرسة الثانية ودار بيننا حوار سريع حول التعليم وأحوال البلد .. إلخ ،
وأكد على كلام المدير السابق من حيث كثافة الفصول ، وأضاف بأن المدرسة لايوجد بها غير 3 مدرسين فقط ، تعجبت وقلت الوزير أعلن عن مسابقة ،
قال لى حصل وتقدم الخريجين وأجروا الإختبارات وإختاروا حوالى 150 ألف مدرس بنظام الحصة ، وكانت بمبلغ 20 جنيه ووافقوا ، وفجأة ألغيت المسابقة لعدم وجود التمويل !!
دفعنى الفضول لسؤاله وكيف تدبر أمر هولاء التلاميذ ، قال لعبة الكراسى الموسيقية قلت بمعنى إيه قال مدرس من المدرسة دى على مدرس من المدرسة دى وبتتقضى .
فى المدرسة الثالثة كدت أفقد الامل ، المدير كان ناقم على كل شىء قال لى تعليم إيه يابيه دى أشكال عيال عاوزه تتعلم ، وأمسكنى من يدى وتجولنا فى فناء المدرسة
والحقيقة أنها كانت أقرب إلى الإصلاحية منها إلى المدرسة . قال لى أنا عندى المدرسة 3 فترات يابيه ، وماعنديش مدرسين !!
إقترب منى على باب المدرسة أحد المعلمين ، وكان شابا لطيفا ، وقال لى إنت محتار ليه ، أقدر أساعدك فى إيه ، قلت له والله أنا عندى مشكله ويبدو أنها مالهاش حل ،
بس أنا مش عاوز أفقد الأمل ، ودار بيننا حوار قصير علمت أنه فى طريقى فعرضت عليه أن يركب معى السيارة لـ توصيله ،
وفى الطريق تقمصت شخصية الفنان حسين رياض وهو يحكى قصة سلامه وجهاد بعدما باعوهم كرقيق ، حن قلب المعلم الشاب على الطفلين ، ودلنى على مدرسة قريبه ، وقال ممكن بقليل من الإلحاح على مديرتها تقبلهم وخاصة وأن المدرسة محتمل تبقى فترتين .
ولم أكذب خبرا وذهبت لـ مديرة المدرسة ، كانت سيدة شديدة ويبدو أن شخصيتها قوية لكن وجدت منها بعض اللين
وإستطعت أن أنتزع ضحكتها وإنتهزتها فرصة كمدخل للحكاية بدت فى أول الأمر صارمة لكن ضحكتها فضحت تماسكها ، حكيت لها عن الولدين ، فما كان منها إلا أن قالت دول فاشلين وولاد كلب .
قلت لها ياستى إنت تعرفيهم علشان تشتمى عليهم ، قالت لى ما النماذج دى عندى منها كتير ، قلت لها لا دول يختلفوا ، الولاد متفوقين ياست الناظره ، وعلى مسئوليتى ، وأن متكفل بكل شىء ، وتقدرى تعملى لهم الإختبارات إللى إنت عاواها ، وتحدى ، زى روابى كده ،
المهم أنها حاولت التملص منى ، ولكنى حاصرتها وإدعيت بأنى على معرفه بالوزير شخصيا .. إلخ ، وبعد إلحاح شديد ، وافقت من حيث المبدأ ولكن بشروط .. وللحديث بقيه !!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.