ترك الحفل المدعو اليه وتوجه ناحية الشرفة ،فى هدوء نظر إلى الأسفل وجد الأشياء متناهية الصغر .نظر إلى الأمام وجد المدينة أمامه حتى نهايتها وبعدها الصحراء الشاسعة.
خلع سترة البدلة وأزاح عن رقبته رابطة العنق ثم قفز إلى أعلى سور الشرفة .. أحس أن جمع الحفلة كلة خلفه . يتهامسون بينهم ويراهنون على القفزة المجنونة .
رفع يديه فى الهواء ثم تداخل فى جسده ثم قفز إلى الأعلى ودار عدة دورات فى الهواء ثم أخذ يهوى ناحية الارض.
شعر بمئات الملايين من النمل تسرى فى جسده النحيل وتداخلت العديد من الأصوات تنادى عليه ،
تراءى له عشرات الوجوه العابسة .ميز بينهم وجوة من أحب، أمه، إخوته ،أصدقاءه ،أولاده .
نظر إلى الأسفل وهو يسقط .. وجد الأرض تقترب بسرعة مزهلة ، وقبل أن يرتطم بلحظة . شهق شهقة طويلة استعاد بها روحه المفارقة .
فى المساء وهو فى طريقة إلى عيادة الطبيب لاحظ تطابق الوجوة التى رآها ليلة أمس فى منامة مع نفس الوجوه
التى تسير فى الشارع .. لاحظ أيضا عبوسها .
انتظر دوره للدخول إلى الطبيب . عشرات من المرضى النفسيين يملأون العيادة .أحدهم كان يهذى بكلمات مثل
الحفلة. .الشرفة. .المدينة. .السقوط .
انعشت تلك الكلمات ذاكرته وتذكر الحلم وتداعت فى رأسه الوجوه التى رآها فى الحفلة والتى كانت تتابعه أثناء السقوط.
الغريب انه وجد أغلبهم موجودا معه فى العيادة .أفاق على صوت التمرجى يصيح عليه يستدعيه للدخول . كان
الطبيب يقرأ بعض الأوراق امامه حين دخل بهدوء وجلس على المقعد المواجه للطبيب
وانتظر حتى يفرغ من القراءة .وانشغل بتامل اللوحات المعلقة على الحائط .لكنة أصابه الفزع بما يشبه الصدمة
عندما وجد اللوحات تعبر عن الحفلة والشرفة والسقوط والوجوه العابسة .
نهض واقفا كأن ثعبانا قد لدغه وقبل أن يهم بالفرار .نظر إليه الطبيب وقال بلهجة آمرة : أجلس ، وقبل أن يفكر أعاد الطبيب الجملة بصوت أكثر ارتفاعا .
حكى له عن الحلم الذى يراه كل ليلة كلما نام ورحلة السقوط من الارتفاع الشاهق إلى الارض والوجوه العابسة
التى تطابقت مع وجوه الناس فى الشارع. دون الطبيب كل ماقاله فى ورقة امامة.
ثم سأله هل ترى اى من الوجوه تلك الآن .رد نعم أراها معلقة على الحائط داخل تلك اللوحات .قال الطبيب وهو
ينظر إلى اللوحات انظر جيدا .
نظر ثم قام واقترب وجد لوحات لبعض الزهور والمناظر الطبيعية .عاد إلى مقعده وهو مزهول وقبل أن يقسم للطبيب
بما رأة .قاطعه الطبيب قائلا .تناول تلك الحبوب قبل النوم هتساعدك على الاسترخاء وابتعد قليلا عن مايسبب لك
توترا ويستحسن تقضى يومين تغير فيهم جو فى أى مكان .
عندما عاد إلى المنزل.وجد تحت عقب الباب دعوة لحفل فى الفندق الشهير لتكريم أحد الزملاء فى العمل .وضع الدعوة بجانب السرير على الكومود وتوجه ناحية الحمام أخذ حماما دافئا وتناول قرص الدواء واستسلم لنوم عميق .
فى الصباح تذكر بعض أضغاث أحلام ،حفلة،دعوة،زملاء العمل،الشرفة،السقوط. أفرغ فنجان القهوة فى معدته
.واطفئ السيجارة فى منتصفها وتوجه إلى العمل .
وجد الساعى يخبره بتعطل الاسانسير .أخذ يصعد الدرج حتى وصل إلى مكتبه .
ارتمى على أول مقعد قابله وأخذ يلتقط انفاسه بصعوبة .دخل عليه أحد العاملين يطلب توقيعه .متعبا قرأ الطلب ثم
احاله إلى مدير شئون العاملين
ثم طلب منه وهو خارج أن يخبر السكرتارية بعدم دخول أحد إليه .تناول زجاجة المياه .وشرب ثم اغمض عينيه وراح فى ثبات عميق .
وجد نفسه فى نفس الحفل لكن هذه المرة انضم الطبيب للحضور . عندما اعتلى سور الشرفة كان الجمع يصفق
بشدة له ويحثه على القفز ماعدا الطبيب كان ينظر إليه فى عتاب .
خلع سترة البدلة واعتلى سور الشرفة ونظر إلى الأسفل وإلى الأمام وجد الصحراء قد تمددت واختفت المدينة .
نظر خلفه وجد أن الجمع قد اختفى وبقى الطبيب وحده يحاول أن يثنيه عن القفز .
بينما هو كذلك أحس بكف ناعمة دفعته من الخلف .وبينما هو يسقط أحس أن روحه تنسحب من جسده ببطء
والهواء حوله أصبح أكثر برودة والمدينة تحولت إلى حديقة كبيرة وأناس كثيرة ممن أحب وغادروا
تنادى عليه ،أمه، أخوته،صديقه. نظر إلى الأسفل وهو يسقط وجد الأرض تقترب بسرعة شديدة وقبل أن يرتطم
انتظر أن يشهق الشهقة الطويلة ليستعيد روحه لكنه… فشل