حاولت عبثا إثناء الشاب العشريني عن مواصلة لعبته المفضلة LegoOfLegend أو أساطير كما يطلقون عليها والتي يشارك فيها فريقين كل فرقة من خمسة أشخاص من كل أنحاء العالم, و كل فريق يحاول التغلب علي الأخر في معارك قتاليه طاحنه, وكانت حجته بضرورة المواصلة حتي تمام النصر ان غريمه في اللعبة إسرائيلي ويجب التغلب عليه, تعجبت جدا لان الشاب الذي يضحي بوقته الثمين وينتظره امتحان الفصل الدراسي الأول بعد بضعة ساعات, تصور ان النصر علي الإسرائيلي في اللعبة سيحرر القدس مثلا أو سيشعره بلذة الانتصار, والأعجب أن هذا الشاب وغيره من أبناء جيله قد لا يعرفون الكثير عن الحروب التي خاضتها مصر ضد الكيان الصهيوني منذ 1948 مرورا 1956 و 1967 وحرب الاستنزاف حتي نصر أكتوبر المجيد 1973 والدماء الذكية التي روت أرض سيناء.
ربما تشكلت عقيدته بالفطرة من عدة أعمال درامية شاهدها بالصدفة وحازت أعجابه, لنجومه المفضلين مثل عادل أمام أو محمود عبد العزيز, أو من الأفلام الحديثة مثل الممر, لكن ثمة حالة لا تخطئها العين رغم كل الهرولة العربية الرسمية التي تشهدها المنطقة من المحيط للخليج.
قد لا يعلم هذا الشاب الغارق في نصر وهمي عبر لعبة إليكترونيه أن لعبته تلك ربما صممتها شركة أو حتي أفراد ينتمون للكيان الذي يحاربه عبر الألعاب, ومؤكد أنه لا يعلم أن” جارنا الجديد يوسي ” هو عنوان أحد دروس القراءة المقررة علي طلاب المرحلة الابتدائية في أحدي الدول العربية, وتدور فكرته حول ولد غريب وقف أمام سور المزرعة, يشير إلي الحيوانات ويتحدث لغة غريبه, سألته نور: من أنت؟ اختفت ابتسامته وظهرت عليه علامات القلق , سألت نور أولاد الجيران قالوا إنه يوسي جارنا الجديد جاء مع أسرته من تل أبيب لكنه طوال الوقت وحيدا لا يكلم أحد, أخبرت نور أباها الذي قال لها : حاولي أن تدعيه من جديد وقدمي له قطعة من الحلوى فيطمئن إلي نواياك الحسنة يوسي جاء من تل أبيب ولا يعرف أحد هنا ولابد من أنه يشعر بالغربة والقلق.
هذا ملخص من درس نقرأ والذي تكرر فيه لفظ تل أبيب ثلاث مرات في بضعة أسطر. وكم من مفاهيم ومتغيرات أيديولوجية تسير بسرعة البرق في محيطنا العربي في تطبيع تعليمي واضح, وأبنائنا مازالوا يقضون الساعات في معارك وهمية إليكترونية عبر فضاء وسائل التواصل الاجتماعي, ربما يجهلون أن وسيلة الانتصار الوحيدة أمامهم الأن هي العلم والتعلم المستمر والبحث العلمي, الذي تزداد مخصصاته وتتضاعف كل ثلاث سنوات في دولة الاحتلال بل وفي كل الدول المتقدمة لتصل إلي أكثر من 10% من إجمالي الناتج القومي, وتقوم الدولة بدعم المدارس هناك دعما كاملا لإيمانها انه سبيل التقدم وسيادة العالم.
صحيح أن الدول العربية تحاول هي الأخرى زيادة تلك المخصصات ولكنها في النهاية زيادة لا تستطيع مقاومة الفجوة التي تتسع عاما بعد عام, خاصة لو لم يكن أوجهه إنفاقها علي النحو الصحيح. أو أن الإنفاق بدون استراتيجية واضحة المعالم غير قابلة للتغيير أو أنها تسير طبقا للأهواء, ناهيكم عن القطاع الخاص الذي يقدم قدم ويؤخر أخري ومازالت مساهمته في الإنفاق علي البحث العلمي لا تذكر رغم انه المستفيد الأول من هذا الإنفاق البخيل .
صحيح أن قطار التطبيع السياسي والدبلوماسي الرسمي شهد ومازال يشهد تطورا كبيرا علي الصعيد الرسمي, من المحيط للخليج وشمال وقلب أفريقيا لكن التطبيع علي المستوي الشعبي أمامه الكثير. الشيخة جواهر القاسمي زوجة حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي انتقدت وبشدة تبادل الوفود الطلابية من جانب بلادها مع الجانب الإسرائيلي و رفضت برامج رعاية الطلاب المتفوقين والموهوبين والجانب البحثي المشترك, بل وغردت بقولها: مازالت مناهجهم توصي بقتل العربي واغتصاب العربي, والشارقة هي الإمارة الوحيدة هناك التي احتفظت بيوم الجمعة أجازه رسميه, بعد قرار الحكومة هناك بتحديد يوم السبت والأحد عطلة رسمية وإلغاء إجازة يوم الجمعة, فكان قرار حاكم الشارقة الإبقاء علي إجازة الجمعة عطلة أسبوعية بالإضافة إلي إقرار يومي السبت والأحد اللذين أعلنتهما الحكومة هناك, لتكون عطلة المدارس ثلاثة أيام متصلة. والسؤال هل ستغير إسرائيل مناهجها عل غرار بعض المناهج العربية, و هل ستنجح مساعيها في تغيير أيديولوجيات راسخة منذ الأزل, وماذا قدمت إسرائيل لتغير هذا الفكر وهي ماضية في عدوانها واغتصاب الأراضي العربية في فلسطين والجولان.