عبد الناصر البنا يكتب : الرحمة قبل العدل

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
وصل بريدى الالكترونى رسالة من صديق عزيز لى مقيم فى إيطاليا تحكى قصة إنسانية مؤثرة جدا ، وقد حدثت بالفعل فى دولة ماليزيا ، وقد هزت المجتمع هناك ،
بعد أن تناقلتها سائل الإعلام ، وتم عرضها لـ مرات عديدة على شاشات التليفزيون وفى الصحف حتى وصل صداها إلى مقر الشركة الأم فى بريطانيا .
القصة مفادها أن رجلا دخل إلى أحد فروع (هايبر) ماركت البريطانية الشهيرة Tesco المنتشرة فى ماليزيا وتناول بعص المأكولات والمشروبات وحاول الخروج خلسة ومعه بعضا من الفواكه التى أخفاها وتعادل قيمتها 7 دولارات دون أن يدفع ثمنها .
أمسك مدير الفرع بالرجل الذى كان يتابعه على شاشات المراقبة فى مكتبة وأسقط فى يدى الرجل ، وعلى الفور إعترف بأنه كان ينوى سرقتها وعدم دفع ثمنها ،
حاول الرجل أن يهدىء من روعه وطلب منه معرفة السبب الذى دفعه إلى ذلك ، فأقسم له الرجل وهو فى حالة يرثى لها من الخوف والإرتباك أنه ترك عمله منذ فتره وهو الآن عاطل بدون عمل ويرعى أطفاله الثلاثة وزوجته التى أنجبت مؤخرا ، وأصيبت بغيبوبة بعد الولادة .
ترك مدير الفرع الرجل فى مكتبه وأرسل أحد أفراد الأمن إلى منزل الرجل للتأكد من صدق روايته ، وتأكد بالفعل صدق رواية هذا الرجل المسكين ،
فما كان منه إلا أن منحه السلع التى حاول إخفاءها وأعطى له بعض الأطعمة والمواد الغذائية والسلع الأخرى ، إضافة إلى مبلغ من المال ،
كما عرض عليه العمل فى الـ هايبر ماركت الذى يديره ، وعندما علمت الشركة المالكة بالواقعة تكفلت بدفع نفقات إلتحاق أطفاله بالمدرسة ، ومعالجة الزوجة المصابة .
كما قامت الشركة بالتبرع له ببعض المشتربات التى تكفى الرجل وعائلته لمدة سنة كاملة ، وعرضت قصته فى بعض القنوات والصحف البريطانية متبوعة بعبارات الثناء لمدير الفرع الذى أصبح مشهورا فى ماليزيا وبريطانيا
بعد أن سلك مسلكا إنسانيا نبيلا ، مسلكا فيه الكثير من الرحمة والإنسانية ، وهكذا دوما جزاء الإحسان بإحسان وإحسان ،
لقد حركت قصة الرجل غوامل النبل والرحمة فى المدير والشركة المالكة التى أغدقت عليه بالكثير ، بل وفتحت أمامه أبواب الخير والرزق والكسب الشريف ، وفوق هذا وذاك بابا من ابواب التوبه .
فى المقابل ووفقا لهذه الرواية لو أن مدير الفرع قد إستوقف هذا الرجل وألزمه بدفع قيمة المشتريات أو قام بمقاضاته أو حتى سلمه إلى الشرطة ، لكان حدثا عاديا مر مرور الكرام دون أن يشعر به أحدا ، كما تمر العشرات بل والمئات مثلها يوميا فى كل مكان .
إنما هى الرحمة التى تسبق العدل أحيانا والتى غاليا مايجنح إليها كل محتاج ، تلك الرحمة التى هى صفة من صفات الله تعالى .
الرحمة التى تسبق العدل ، والعطاء الذى يفتح أبواب الرجاء والأمل ، ويبعث على صالح الأعمال ، أما ثمارها فهى النبل والتسامح وهى أكثر وفرة من ثمار العدالة نفسها كما جاء فى القصة ، والرسول (ص) بقول من لايرحم الناس لايرحمه الله
وبحكم الفطرة التى فطر الله الناس عليها كلنا قادرون على الحب ، ولكن قليل منا هم القادرون على الرحمة والعطاء والتسامح فى مواقف العقاب والقوة ،
والمعروف فى القصاص أن ولى الدم هو الذى له حق طلب الدية أو القصاص وكذلك العفو عن الجانى ، وقد حدث أثناء إقامتى فى المملكة العربية السعودية أنى شهدت حادثة كان ولى الدم قيها قاصرا ، وتأجل القصاص حتى وصل إلى سن البلوع ،
وقتها حاول أهل الخير والإصلاح بين الناس أن يثنوه عن طلب القصاص وقبول الدية ، وقد بلغت ملايين الريالات وقتها ، ولكنه رفض أن يتنازل أو يعفو عن القتيل رغم كل المحاولات التى بذلت معه وطلب القصاص أى ( الدم) .
وإستمر على رفضه طالبا القصاص حتى تم تحديد الموعد لتنفيذ الحكم والقصاص من القاتل بصرب رقبته بالسيف حتى الموت ، وإنفاذ شرع الله ، والقصاص غالبا يكون عقب صلاه الجمعه ليشهده طائفة من الناس
وفى اليوم المحدد أحضرت الشرطه القاتل مكبلا ومغمض العينين وأجس فى مكان التنفيذ وحضر أهل القاتل واهل القتيل والشيخ والحرس والجلاد .. إلخ ، وقام الشيخ بتلاوه الآيه الكريمه ” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ” .
وقال أقدم المدعو فلان وذكر إسمه على إرتكاب الجريمة وكانت القتل العمد ، وقال أنه بفضل من الله صدر بحقه صك شرعى يقضى بثبوت مانسب إليه
وأنه اليوم الموافق كذا من يوم وشهر وسنه ، سوف يتم تنفيذ حكم القصاص فيه ، وأن هذا الحكم هو جزاء كل من تسول له نفسه إرتكاب هذا الفغل .. إلخ
وما إن شرع السياف فى رفع سيفه ليقتص من القاتل حتى رفع الشاب يده وقال ” عفوت عنه ” وتعالت الصيحات لا إلله إلا الله محمد رسوله الله تصديقا لقول الله تعالى ” وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ”
وتلك صفة أخرى تضاف إلى الرحمه قبل العدل ، وهى العفو عند المقدرة .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.