د. صبرى الغياتى يكتب: منطقية القرآن الكريم مع متلقيه
القرآن الكريم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،
وهو كتاب يعتمد العقل والمنطق أساسا ومنطلقا لقضاياه العقدية التي يعرضها
على كل من يتلقاه.
ونعرض هنا لمنطقية القرآن مع المتلقين في عرض قضية الإيمان، وقد ورد في القرآن الكريم
قوله تعالى : “إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) في سورة الأنعام, وتكررت خمس مرات:
“إِنَّ فِي ذَلِك لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ” في سور: النحل آية (79)، والنمل آية (86)،
والعنكبوت آية (24)، والروم آية (37)، والزمر آية (52).
وفي تلك المواطن كلها نجد أن القرآن الكريم يعرض قضية الإيمان على العقول لكي تؤمن، وهو في كل تلك المواطن
لا يعرض آية واحدة بل هو يسوق عدة آيات كما في سورة الأنعام التي ساقت قبل هذا الختام آيات كونية
وأخرى في النفس البشرية وثالثة في إنبات الزرع وفي كل آية من هذه الآيات آيات متعددة، ففي النفس البشرية
وحدها من الآيات ما يعجز البشر عن حصرها.
وهكذا يسوق القرآن الحكيم آيات كثيرة لمن يطلب منهم أن يؤمنوا، ولذلك فلن تجد في القرآن الحكيم موطنا واحدا
يسوق آية واحدة لمن يطلب منهم الإيمان، فليس في القرآن: إِنَّ فِي ذَلِك لَآيَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، ولكن في القرآن:
“إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ(44)” العنكبوت.
وذلك أن المؤمنين غير يؤمنون، فالمؤمنون هم قوم آمنوا بالله فلم يحتاجوا إلى آيات، وإنما يذكر القرآن الحكيم
لهم آية أو بعض آية ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم.
أما “يؤمنون” فهم قوم لم يؤمنوا بعد فكان القرآن الحكيم منطقيا معهم فساق لهم آيات عدة إذا تأملوها دفعهم التأمل
إلى الإيمان دفعا، ومن هنا ورد في القرآن: “إِنَّ فِي ذَلِك لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” ولم يرد (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)،
وهذا من منطقية القرآن مع عقول المتلقين.
نسال الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.