إبراهيم نصر يكتب : الفتاوى الموسمية “2/1”

الكاتب الصحفى إبراهيم نصر
الكاتب الصحفى إبراهيم نصر

أيقنت بما لا يدع مجالا للشك أن الطريق مازال طويلا

فى مشوار تصحيح الفتاوى الموسمية الجاهزة التى يتناقلها “المتسلفون”

مع كل مناسبة دينية أو اجتماعية، على أنها الحق الذى لا يأتيه الباطل

من بين يديه ولا من خلفه، كما لو كانت الفتوى آية قرآنية محكمة

لا تحتمل التأويل، رغم أنها اجتهاد بشرى من فقيه كانت تحكمه أحوال

وظروف وزمان ومكان وعادات مجتمع، وكلها عوامل لا بد أن يراعيها العالم المجتهد

حين يصدر فتواه فى أى قضية،

الفتوى تختلف باختلاف المكان والزمان والمستفتى

وعلى قدر تبحره فى علوم الشريعة تجد فتواه تختلف باختلاف المكان والزمان والمستفتى، وذلك ثابت منذ رسول الله

ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتابعه فى ذلك الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وذلك واضح وضوح الشمس

عند أئمة المذاهب، الذين كانت لهم فتاوى تختلف باختلاف المستفتى وباختلاف مكانه وزمانه، ولا أدل على ذلك من وجود

مذهب فقهى قديم للإمام الشافعى حين كان فى العراق، ثم غير بعض أحكامه وصار له مذهب جديد حين جاء إلى مصر.

وبناء على ذلك أستطيع القول: إن العلماء أصحاب هذه الفتاوى القديمة، التى يتناقلها أصحاب العقول المغلقة

والأفهام القاصرة، إذا كانوا يعيشون بيننا الآن لكان لهم رأى آخر وفقه آخر، ولا ينكر عليهم ذلك إلا كل جاهل

لا يدرى من فقه الدين شيئا.

الفقه أوسع وأشمل من الفهم

والفقه أوسع وأشمل من الفهم، ولا يتسع المقال لتفصيل الفرق بينهما، ومن أراد أن يعرف الفرق، فليرجع إلى علماء اللغة

وعلماء التفسير، و”من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين”، وكل زمان له علماؤه وفقهاؤه إلى يومنا هذا، ولكن يصر البعض

أن ينقلنا إلى زمان آخر غير زماننا، ويحكمنا بما صدر فيه من فتاوى لا تصلح لهذا الزمان، ويترتب على ذلك أنه يعيش بمعزل

عن مجتمعه ويخوّن علماء عصره ويتهمهم بما ليس فيهم، ويشكك فى علمهم لمجرد أنهم خالفوا الفتاوى القديمة المحفوظة

فى بطون الكتب، فكانوا أشبه بمن يريد أن يعود بنا إلى الكتب القديمة فى علم الطب مثلا ويتمسك بما فيها من أساليب

علاجية، ويريد أن يطبقها فى عصر مختلف، وهو لا يدرى أن الزمن قد تخطاها وأن العلم تقدم ولم تعد تصلح هذه الأساليب

للتطبيق، ليس طعنا فى القديم، وإنما لأنه كان يناسب عصره ولم يعد يصلح لهذا العصر.

الخطير فى الأمر أنك تجد تلميذا ما زال يحبو فى ساحة العلم، ينتقد عالما جليلا مجتهدا فقيها، لمجرد انه خالف فتوى يحفظها أو قرأها فى كتاب قديم !.

وللأسف الشديد هذه النوعية موجودة بكثرة، وتجد من وسائل التواصل مجالا خصبا لترويج ما يعتقدون أنه الصواب،

ويتضح ذلك جليا مع كل مناسبة، وكان آخرها قضية التهنئة برأس السنة الميلادية الجديدة، لدرجة أنك حين تهنئ أحدهم

بهذه المناسبة تجده لا يرد عليك التهنئة بمثلها أو بأحسن منها، وإنما يرد عليك بفتوى قديمة تحرم ذلك!.

الأمثلة أكثر من أن تحصى

لابد أن يدرك الجميع إدراكا جيداً أن المسألة الواحدة قد يختلف حكمها الفقهى باختلاف الزمان والمكان والمستفتى

وأحوال الناس وعادات مجتمعهم، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ويكفى أن أذكر مثالا واحدا فقط حدث

على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وورد عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ فيما أخرجه أبو داود في سننه:

“أن رجلا سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المباشرة للصائم، فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له

شيخ، والذي نهاه شاب”، ومن هذا الحديث استنبط العلماء أن مناط الحل والحرمة فيما يمكن أن يترتب على القبلة،

ولا شك أن قبلة الشيخ الذى “يملك إربه” أى يتحكم فى شهوته، غير قبلة الشاب الذى قد يتمادى ويقع فى المحظور،

ويؤكد ذلك ما روته السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ فيما أخرجه مسلم في صحيحه، قَالَتْ:

“كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ”.

وللحديث بقية فى المقال القادم إن شاء الله تعالى.

تعليق 1
  1. […] فى المقال السابق التأصيل سريعا لقضية اختلاف الفتوى من مكان إلى […]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.