نحو منهج عملي في تدريس الأدب العربي للأفروآسيويين
محاضرة للأستاذ الدكتور / صبري فوزي عبدالله أبوحسين أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات، بجامعة الأزهر محاضرتي في احتفال اتحاد الجامعات الأفروآسيويية ورابطة الأدب الإسلامي العالمية باليوم العالمي للغة العربية، يوم الاثنين 27/12/2021م..
لا ريب في أن لغة الإنسان هي هُوَيَّتُه وأصله، وهي التي تربطه بأهله ووطنه ودينه، وهي مصدر من مصادر قوة الوطن والأمة، وهي أداة التفكير والتعليم الأولى؛ ولا شك في أن التعلم باللغة الوطنية الأم أيسر وأتقن وأدق، ومن ثم كانت اللغة سبب بقاء ووسيلة حياة، إذا ضاعت ضاع التاريخ وضاع التراث، وضاعت الحضارة، وضاع العلم! وما أعجب إدراك الشاعر الجاهلي الحكيم زُهَيْرٌ بن أبي سلمى لهذه الحقيقة الحضارية: (لغتنا هويتنا) في قوله من خاتمة معلقته:
لِسَانُ الْفَتَى نَصِفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
فالإنسان نصفان: نصف لغوي ونصف روحي، وما عدا ذلك فهو جسد مادي جمادي مكون من لحم ودم! لا حياة فيه! وهذا ما قرره سيدنا عَلِيٌّ-رضي الله عنه- بقوله: “مَا الْإِنْسَانُ لَوْلَا اللِّسَانُ إِلَّا بَهِيمَةٌ مُهْمَلَةٌ أَوْ صُورَةٌ مُمَثَّلَةٌ”. يقول الإمام الفخر الرازي(ت606هـ): “وَالْمَعْنَى أَنَّا لَوْ أَزَلْنَا الْإِدْرَاكَ الذِّهْنِيَّ وَالنُّطْقَ اللِّسَانِيَّ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا الْقَدْرُ الْحَاصِلُ فِي الْبَهَائِمِ، وَقَالُوا: الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ. وَقَالَ الرسول -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ».
ومن ثم نجد حرص الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب على نشر العربية والدعوة إلى تعلمها والتفقه فيها حين كتب إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-:” أما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن؛ فإنه عربي”. وفي حديث آخر عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: تعلموا العربية؛ فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض؛ فإنها من دينكم. وقال العلماء في التعليق على هذين الأثرين العمريين: هذا الذي أمر به عمر -رضي الله عنه- من فقه العربية وفقه الشريعة معًا؛ لأن الدين فيه فقه أقوال وفقه أعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله، وإن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغًا عنه الكتاب والحكمة بلسان عربي، ولم يكن من سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، فصارت معرفته من الدين”، وكان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان(ت86هـ) يقول: ” أصلحوا ألسنتكم؛ فإن المرء تنوبه النائبة فيستعير الثوب والدابة، ولا يمكنه أن يستعير اللسان، وجمال الرجل فصاحته”؛ فاللغة غاية، واللغة وسيلة، واللغو حلية وزينة.
ولعلماء الأمة أقوال تشير إلى المخاطر الواقعة على الأوطان والبلدان نتيجة الجهل بعلوم اللغة العربية:
– قال الإمام الحسن البصري(ت110هـ) في المبتدعة: ” أهلكتهم العجمة”، وما (العجمة) إلا ترك اللغة العربية والتفريط فيها والجهل بها، والفتنة بكل ما هو أعجمي أجنبي.
– وقال الإمام الشافعي -في معرض حديثه عن الابتداع في الدين :-
” ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب”.
– وقال ابن تيمية: “ولا بد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدَّعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك”.
فهذه النصوص وغيرها دالة على أن الجهل باللغة العربية وعدم إتقان العلوم اللغوية سبب الابتداع في الدين، وسبب في الخطاب الديني المتشدد، وسبب في الفكر الإرهابي، وسبب في الفتاوى الضالة المضلة، وسبب في الفكر المنحرف، المُمَيِّع للدين، وسبب الفكر العلماني المتطرف في نظرته إلى إسلامنا الجميل الحنيف. ومن ثم فإن الدعوة إلى التمسك باللغة العربية الفصحى تعلمًا وتعليمًا وبحثًا في علومها، وعملًا على تيسير عمليتي تعلمها وتعليمها، وعلى نشرها في كل مجال، وكل فن، وبين الأجيال القادمة، لهو ضرورة دينية لفهم الإسلام والعمل به، وضرورة وطنية لحماية البلاد والعباد من كل فهم مغلوط تشددًا وانحرافًا!
وإن الطلاب الوافدين من الأفروآسيويين خامة طيبة، وعجينة طيِّعة: خالية الذهن، صافية النفس، واسعة الذاكرة، لديها استعداد كبير متنوع لتلقِّي العلم درسًا وحفظًا، وفهمًا وتطبيقًا، لاسيما علوم اللغة العربية وآدابها، وإن في بعضهم نبوغًا يفوق ما لدى الطالب العربي أحيانًا!
وإن من الأدوار الحضارية الفاعلة التي يقوم بها أزهرنا الشريف الآن الاهتمام بالوافدين والوافدات من خلال مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بالأزهر الشريف، وكلية العلوم الإسلامية للوافدين بجامعة الأزهر، حيث رعاية هؤلاء رعاية روحية وعقلية وتربوية: إرشادًا وتعليمًا وتثقيفًا، وتأهيلِاً “لُغَوِيًّا و شَرْعِيًّا و ثَقَافِيًّا، بما يؤهلُهُمْ لمُواصَلةِ الدِّراسةِ بالتعليمِ الجامعىِّ وما بعده، و بما يُثْرِى ثقافتَهم في المجالاتِ المُختلفةِ, و يُنَمِّى لديهِمُ القدرةَ على التفكيرِ الإبداعىِّ النقدىِّ، و حلِّ المشكلاتِ، و التعلُّمِ مَدَى الحياةِ، والتزوُّد بالمهاراتِ التي تساعدُهم على القيامِ بدورٍ فعّالٍ فى مجتمعٍ عالمىٍّ دائمِ التغيير”.. وإعدادًا لهم ولهن كي يكونوا ويكنَّ مشاعل أزهرية في بلادهم، ينشرون نور الإسلام الوسطي المستنير ويعيشون به وله وفيه!
وإن الأدب العربي –ذلك التعبير بالشكل العربي الفصيح الجميل عن المحتوى الفكري العميق النبيل-يحمل بصمات أمتنا وقسماتها ورسالتها إلى العالمين، وإن تدريسه خارج نطاق الوطن العربي لدليل على حضور اللغة العربية ويسرها وحيويتها، وعلامة على جاذبيتها وفعاليتها وتأثيرها، ووسيلة ناجعة في ترسيخ علوم اللغة العربية الرئيسة.
ومن خلال تدريس الأدب العربي يتعرف هؤلاء الأعاجم على طبيعة العرق العربي وتاريخه وحيَوَاته المتنوعة جغرافيًّا وحياتيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا وعقليًّا، ويعيش مع ما خلَّفَه الإنسان العربي من حضارة وإبداع وفن ورقي في مجالات بيئته المختلفة: سلمًا وحربًا، حبًّا وبغضًا، مدحًا وقدحًا، رثاءً ووفاءً، إقبالاً وإعراضًا، وصفًا ونصحًا، ترغيبًا وترهيبًا، ووعدًا ووعيدًا، حراثة وتجارة، تدينًا ولهوًا..
كما يتعرف هؤلاء الطلاب الأعاجم على سِيَر أعلام الأدب العربي في فنونه الشعرية والنثرية على السواء، وما أنجزوه من بدائع القول وخرائد الشعر، مما يهذِّب النفس، ويرهِّف الشعور، ويجوِّد اللسان، ويُزكِّي الجَنان، وينمي ثروتهم اللغوية، ويصلهم بالتراث العربي الإسلامي!
فالأدب ديوان العرب، ولسانهم المسجل مآثرهم، والمعلن عن مفاخرهم، والملهب عواطفهم ومشاعرهم! وما أصدق قول الشاعر العباسي ابن الرومي(ت 283هـ):
نرى الشعر يُحيي الناسَ والمجدَ بالذي تُـبـقّــيـــه أرواح لـــه عــطــراتُ
و ما المــجــدُ لولا الشعرُ إلا مـعــاهــدٌ وما الناس إلا أعظم نخرات
وإذا كان تدريس النحو والصرف والمعاجم والأصوات والبلاغة والعروض، أمرًا سهلاً بالنسبة إلى الأفروآسيويين باعتبارها علومًا قائمة على التقعيد والمعيارية، وفيها أنظمة تعليمية محددة، ويمكن تيسير تعلمها وتعليمها، فإن تدريس الأدب العربي ونقده لأمر صعب جدًّا لهؤلاء الأفروآسيويين؛ نظرًا لما تشتمله آداب العرب واصطلاحات ومناهج نقده قديمًا وحديثًا ومعاصرًا؛ ومن ثم وجب التفكير في كيفية تذليل دراسة مقررات الأدب العربي ونقده لهؤلاء الأعاجم الوافدين، عبر منهج عملي واقعي، ينطلق من قاعة التدريس لهؤلاء…
ومن نعم الله -تعالى- عليَّ هذا العام الجامعي(1441-1442هـ=2020-2021م) أن قمت بتدريس مقرري الأدب العربي في العصر الجاهلي تاريخًا ونصوصًا للوافدين والوافدات من طلبة الفرقة الأولى من شعبة اللغة العربية بكلية العلوم الإسلامية بجامعة الأزهر، وقد هُديتُ ووُفِّقتُ إلى طريقة خاصة في التعامل مع الطلاب خلال عملية التعليم. ويمكنني أن أوجزها في الآتي:
1- التزام الفصحى المُيَسَّرة طول المحاضرة سواء في لغة الشرح، أو في لغة التحاور مع الطلاب، وإلزام الطلاب بها!
2- توظيف السبورة التوظيف المتنوع حيث الكتابة عليها لعناصر المحاضرة من عنوان رئيس، وعناوين فرعية، مع تدوين النصوص الأدبية الأساسية، المضبوطة بالشكل، وتفسير كل الغوامض اللفظية والتعبيرية، التي أكتشفها خلال حواري مع الطلاب، مع كتابة الأسئلة والتدريبات المُقيِّمة للطلاب!
3- مطالبة الطلاب بقراءة الدرس قراءة فصيحة من خلال الكتاب الجامعي المقرر، أو من خلال ما كتبوه من تلخيص للدرس، قراءات متنوعة بين فردية، وثنائية، وجماعية، أو قراءة تعلم، أو قراءة إنشاد، أو قراءة شرح وتعليم قدر إمكاناتهم!
4- تحريك معارف الطلاب اللغوية السابقة، عن طريق مفاجأتهم بأسئلة مختلفة أثناء المحاضرة: معجمًا وصرفًا ونحوًا وبلاغة، ومساعدتهم في الإجابة عنها!
5- الاستعانة بالمعاجم العربية المتنوعة(لا سيما المصورة منها) في التعرف على دلالات الألفاظ والتراكيب، عبر إلزام الطلاب بالاطلاع المباشر على المادة اللغوية للفظ الغامض أو الغريب أو النادر، لاسيما المعاجم الأساسية، مثل : القاموس المحيط، والمعجم الوسيط، والمعجم الوجيز، ومعجم المنجد، والموسوعة العربية الميسرة .
6- توظيف تكنولوجيا التعليم في حل مشكلة صعوبة إدراك الطلاب الوافدين لمفهوم بعض الألفاظ الخاصة بالحيوان أو النبات أو الأدوات الحياتية المعيشية، عبر البحث في موقع جوجل عن صور لها، مثل ألفاظ: (الطلح)، و(الفلفل)، و(الحنظل)، (الخيمة)، و(القوس)…فمن خلال رؤية الطالب الصورة الخاصة باللفظ تترسخ لديه، ويتعمق معناها ويتجلى مدلولها! كما استعنت بصور جوجل في إطلاع الطلاب على خارطتين للجزيرة العربية القديمة والحالية، ومن ثم تعرفوا على أهم البقاع العربية العتيقة التي نعرض لها في دراستنا الأدب العربي الجاهلي!
7- التدريب المستمر والمتنوع على المفردات العلمية العملية في المقرر، من تعاريف، وتصنيفات، وتراجم، وتعليلات، وتمثيلات واستشهادات!
8- إلزام الطلاب بجهود تعلُّمية بيتية متنوعة مثل ممارستهم عملية الشرح للمادة العلمية المشروحة سلفًا، وتكليفهم بواجبات متنوعة حلاًّ لأسئلة، وبحثًا عن معلومات، أو كتابة مقالات علمية عن أفكار خاصة بالمقرر .
تجربة تعليمية وعلمية فذة من الأفروآسيويين
مما أتمتع به داخل رحاب جامعة الأزهر الشريف هو ذلك التعامل الإنساني النبيل مع الأجانب من الآسيويين والأفارقة ممن يتلقون التعليم الإسلامي والعربي في رحاب المنهج الأزهري الوسطي المستنير،
وذلك في كليتي الدراسات العليا، والعلوم الإسلامية؛ فالفطرة النقية، والتوازن النفسي، والجهد المخلص، والصدق الداخلي، والأدب الجم، والاعتراف بجميل الأستاذ، تجده في هؤلاء الأعاجم الوافدين من الطلاب والباحثين والباحثات،
أولئك الآتون من بقاع الكون المختلفة: أفريقيًّا وآسيويًّا! وأنفقوا الغالي والنفيس من أجل طلب العلم، من ارتحلوا الرحلات الطويلة الشاقة، إلى كعبة العلم الديني (الأزهر الشريف جامعًا وجامعة)، حيث قطعوا آلاف الأميال والكيلومترات، وما زالوا يسلكون السبل في سبيل طلب العلم وتلقيه على شيوخ الأزهر ومعلميه.
ومن هؤلاء الطالبة والباحثة والإعلامية (زلفى نور عالمة، الأندونيسية الجنسية)، التي درستُها مقرر (النقد الأدبي الحديث) في الفرقة الثانية بتمهيدي تخصص الأدب والنقد بكلية الدراسات العليا، والتي كانت مثالاً طيبًا للباحثة الجادة، المتابعة لكل ما يقال في مفردات المقرر،
رغم صعوبة تخصص الأدب والنقد بالنسبة إليها! بسبب كونها أعجمية، تأتي الفصحى لغة ثانية عندها، وبسبب اللغة العالية الحمولة اصطلاحيًّا في هذا المقرر،
ولكنها أخذت دائمًا بأسباب التلقي من الأسئلة الكثيرة، والقراءة المتنوعة، ومن ثم عملت على أن تطور نفسها، وتثبت حضورها وسط زملائها وزميلاتها من مصر،
ومن غيرها من بلاد العالم الإسلامي، وبالفعل تفوقت في هذه السنة ، وصارت مؤهلة لتسجيل في درجة التخصص (الماجستير)، فدخلت معمعة السينمار العلمي في قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة،
برئاسة الدكتورة منى غيطاس، وعضوية أساتذة وأستاذات قديرات من داخل القسم العتيق وخارجه، فقدمت موضوعها (الفقر في سرديات طه حسين(ت1973م)دراسة تحليلية نقدية،
وبعد مطارحات وجلسات عدة ووفق على الموضوع وسجلته بإشراف أ.د/مهجة درويش، أستاذ الأدب والنقد المتفرغ بالكلية، وأ.د.م/منى غيطاس، وأخذت الباحثة وقتًا في جمع مادتها العلمية وقراءاتها وتحليلها وصياغتها إلى أن كانت الموافقة على الموضوع المقدم وصلاحيته لأن يناقش مناقشة علنية عبر لجنة علمية مكونة من أ.د/غانم السعيد، عميد كلية اللغة العربية بالقاهرة، وأ.د.م/ثريا عبدالرحيم،
وحدد لها يوم الأربعاء 18 جمادي الأولى سنة 1443هـ، الموافق 23 ديسمبر سنة 2021م، وقد حضرت هذه المناقشة فوجدت العلم والفصاحة وعالمية الأزهر بادية في قاعة المناقشات الرئيسة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة، حيث لجنة الإشراف الحازمة، ولجنة المناقشة الصارمة، والحضور العجيب من الطالبات والباحثات والهيئة المعاونة من معيدات ومدرسات مساعدات، والأستاذات، استمعنا إلى بيان الباحثة البليغ،
إلى حوار علمي عميق بينها وبين الدكتور غانم السعيد في قضايا النقد الأدبي السردي الحداثي، حيث مفهوم مصطلح السرديات، ومدى انطباقه على أعمال طه حسين، والفرق بين مصطلحي الاستباق والاستشراف، والفرق بين الراوي والروائي والسارد، وفن الأبيجراما، وعتبة الغلاف، والفضاء النصي، والفضاء الجغرافي، والحوار بطلاً، وتداخل الأنواع، وأثر الحداثة على لغة النقد الأدبي العربي المعاصر حيث التعبيرات الغريبة والمريبة مثل(اللامسئولية/اللامحدودية/اللاتوقيتات، …إلخ.
وقد أسهم هذا الحوار الشفهي المباشر بين العميد الدكتور غانم، والباحثة زلفى عن جملة أطروحات طيبة دلت على باحثة أزهرية أصيلة واعية، ناقشت كبار الحداثيين والحداثيات من العرب والغرب،
أمثال سيزا قاسم، عبدالرحيم الكردي، عبدالملك مرتاض، إضافة الدكتور عبدالمحسن طه بدر، والدكتور أحمد هيكل، وبيرس، وجينيت، وجوليا وكريماس…وآخرين وأخريات!
وقد علقت بقلمي عقب مناقشة الدكتور غانم للباحثة قائلاً: أخرج سؤال الدكتور غانم للباحثة أجمل ما فيها، وأعلن عن شخصيتها، فلم تكن بالصامتة، ولم تكن بالساكنة، ولم تكن بالراضية
بل كانت متكلمة محاورة مجادلة تدافع عن عملها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، فنعم هو من عالم مناقش، ونعمت هي من باحثة حاضرة! وقد اتفق معي على ذلك الصديق اللصيق الوفي نبيل أبو رفاعي! الذي خرج بانطباع بعد هذه المناقشة بأنه رسالة متميزة، وفيها جهد كبير، وينبغي أن تدرس هذه الرسالة، وتعرض على الباحثين والباحثات حتى يفيدوا ويفدن من الجهد الإشرافي والبحثي والنقاشي المبذول فيها…
ثم كانت مناقشة الدكتورة ثريا المنهجية الجادة التي سجلت أن الرسالة تتسم بجودة الموضوع وجديته، وبأنها دراسة فنية قيمة، وبها اصطلاحات حداثية طريفة، وخلو الرسالة من الحشو والتطويل،
وإن أخذت عليها كثرة المناهج المتبعة، وهذا سلاح ذو حدين، والتفريط في ترجمة الأعلام وتفسير بعض الاصطلاحات والتعبيرات، مثل ترتبية الفضاء، الأيقونة، الشخصيات العوامل، البطل المضاد، والتبئير ودرجة الصفر، وعدم الربط بين الثالوث المدمر: الفقر/الجهل/المرض!
وظلت الأستاذة المناقشة مع الباحثة صفحة صفحة تسألها، وتطلب منها القراءة والتعليق حتى آخر صفحة بالرسالة، فأسهمت في تقييم الباحثة وتقويمها…
إن هذه التجربة العلمية في رحاب قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة –كما تقول الدكتورة نادية الجندي وهي من الأستاذات الصريحات الجادات في متابعة الأعمال العلمية بالقسم-رسالة جيدة، وتحديد السرديات لنتاج طه حسين تحديد جيد يناسبه ويلائمه،
والبحث ينم عن ذائقة أدبية عالية للباحثة، وقد ظهرت شخصية الباحثة وعبرت عن إحساسها ومعابشتها لأدب الدكتور طه،
وإن زلفى لسفيرة جيدة لمؤسسة الأزهر الشريف في بلادها، إن شاء الله تعالى. ومن تقييم الدكتورة البانية منى غيطاس لزلفى قولها: أنت نموذج للباحثة الأزهرية الناطقة بغير العربية، التي تمتلك قدرة استنطاق النص الأدبي والنقدي على السواء. رحلة الإشراف عليك يا زلفى كانت ممتعة حقًّا.
ثم كان أن خلت اللجنة للمداولة وأعلنت النتيجة بحصول الباحثة على درجة التخصص الماجستير في الأدب والنقد بتقدير ممتاز، فكنت أحد الفرحين المبتهجين بالنتيجة. استمعوا إلى زلفى أو اقرأوا قولها عقب هذه النتيجة ” وما هذا إلا من فضل الله الكريم!
من أنا حتى أجد هذا الشرف أجلس مع الأساتذة الكبار وهم يناقشون رسالتي المتواضعة، هذا اليوم من أحلى أيام حياتي، هذا اليوم لم يكم محطة أخيرة، هناك الأشياء الكثير التي يجب أن أتعلمها وأدققها حتى أكون أفضل وأفضل، ومن الكلمات الجميل التي قالتها لي الدكتورة منى وهكذا البحوث لا تكتمل إلا بكثرة التوجيهات وأعتقد البوم تأكد لنا أننا نريد لك الأفضل.
وبذلك أخرجت جامعة الأزهر الباحثة الناقدة المتخصصة في نقد سرديات طه حسين، وأخرجت الإعلامية القديرة المسهمة في العمل الإعلامي بالبرنامج الأندونيسي الموجه من القاهرة، التابع لشبكة الإذاعات الدولية بالإذاعة المصرية.
حفظ الله أزهرنا الشريف مكانًا ومكانة، شيخًا ومشيخة، شيوخًا وطلابًا، مصريين وغير مصريين، من أهلنا في قارتي أفريقيا وآسيا…