ونحن نخطو إلى أبواب عام جديد 2022، ونحن نتعامل مع متغيرات حدثت الأعوام السابقة تدفعنا جميعاً إلى أن نحلل وندرس إلى أين تقودنا أحداث العالم في عام 2022،
وهل ستتغير استراتيجيات وسياسيات القوي الكبرى في العالم والقوي الإقليمية كل في دائرة اهتماماته.. وهل تغيرت العدائيات والاهتمامات لكل منهم؟.. من هنا أقدم هذه الدراسة التحليلية الشخصية عن إين نحن ذاهبون مع إطلالة العام الجديد.
في البداية أقول أن الولايات المتحدة الأمريكية وهي تقف الآن متفردة علي القمة علي أساس أنها القوة الأولي في العالم عسكرياً واقتصادياً،
فسنجد أنها مازالت تعتبر الصين هي عدوها الأول في الفترة القادمة ويأتي بعدها روسيا وهذا الاختلاف في التقييم حدث في السنوات الأخيرة
حيث تفوقت الصين اقتصادياً خلال السنوات الأخيرة في الناحية الاقتصادية وعلي سبيل المثال تستورد الولايات المتحدة من الصين بمقدار 5,5 مليار دولار بينما تصدر الولايات المتحدة للصين بقيمة 130 مليار دولار فقط في العام،
أي أن العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين وصل الي 375 مليار دولار.. أما على المستوي العالمي فلقد اقترب إجمالي الناتج المحلي للصين بمقدار 14,7 تريليون دولار أمام الولايات المتحدة 20,9 تريليون دولار.
وهنا أصبحت الصين تمثل الخطر الاقتصادي الكبير للولايات المتحدة مستقبلاً وعلي المستوي العسكري أصبحت الصين القوة الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة وروسيا بل
وفاجأت الصين العالم كله باختيار صاروخ أسرع من الصوت ذات قدرة نووية بالطبع كذلك ظهر تفوق الصين في مجال الصناعات العسكرية التقليدية بإنتاج أسلحة ومعدات جديدة متطورة مثل المدفع الصيني الكهرومغناطيسي الجديد ثم الطائرة المقاتلة الجديدة المسماة بالنسر الأسود
التي أصبحت قادرة علي إصابة هدف علي مسافة 200 كم وهكذا أصبح التطور العسكري الصين التقليدي مخيفاً للولايات المتحدة الأمريكية مستقبلاً خصوصاً في مجال حرب الفضاء ورغم تفوق الولايات المتحدة في ذلك المجال إلا أن الصين مع روسيا أصبحت تلاحق الولايات المتحدة.
وحول موقف الولايات المتحدة من روسيا فمازالت الولايات المتحدة تعتبر روسيا عدواً تقليدياً تعمل له حساب ورغم تربع الولايات المتحدة علي أساس أنها القوة العسكرية الأولي في العالم
إلا أن روسيا ستتقدم خلفها بخطي سريعة في تحديث قواتها التقليدية وأصبحت القوة الثانية عسكرياً بعد الولايات المتحدة طبقاً لتقديرات جلوبال فاير باور Global Fire Power.
وفي مجال حرب الفضاء Space Warfare فإن روسيا تلاحق الولايات المتحدة حيث أنشأت روسيا قوة الفضاء الروسية كقوة مستقلة وجاءت المفاجأة بقيام روسيا بتجربة صاروخ مضاد للأقمار الصناعية في الفضاء
وهو ما أظهر خوف الولايات المتحدة أن يصبح الفضاء ميداناً جديداً لحروب الدولتين وحاليا يأتي قلق الولايات المتحدة من احتمال غزو روسيا لا وكرانيا وضمها الي روسيا الاتحادية
بعد أن نجحت من قبل من ضم شبه جزيرة القرم رغم كل العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أوروبا علي روسيا لكن مازال هناك القلق نحو أوكرانيا
كذلك تتابع الولايات المتحدة إنشاء روسيا لخط الغاز الطبيعي “نورديم استريم 2” الذي سيغذي المانيا وشمال أوروبا بالغاز الطبيعي الروسي والذي تعتبره أمريكا أنه سيصبح أداة من روسيا للضغط علي دول أوروبا مستغلاً الاقتصاد لتحقيق أهداف سياسية.
وعلي المستوي الأوروبي فأنه بوصول المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس الي كرسي الحكم في المانيا بعد رحيل ميركل فإن الكل يتطلع حاليا عن توجهات هذا الألماني القادم الجديد
خاصة أن أولي تصريحاته بعد توليه منصبه هو معارضة إنشاء خط الغاز الروسي كذلك الكل ينتظر سياسة جديدة نحو أوروبا الموحدة وهل ستعود المانيا لكي تكون قائدة لأوروبا مثلما حدث في عهد ميركل ونعود الي الشرق الأوسط فالأمور كلها مازالت كما هي في عام 2021
والكل يتساءل ما مصير الضبابية التي تعيشها ليبيا خلال الفترة القادمة وهل ستنجح في عام 2022 أن تجري انتخابات شفافة ونزيهة
ويعود الاستقرار الي ليبيا في ظل وجود مرتزقة وقوات أجنبية التي تهدد تنفيذ هذه الانتخابات وما هو مصير المرشحين للرئاسة الليبية وهل ستقبل أمريكا وجود نجل القذافي؟.
كذلك يتساءل الجميع عن الدور المستقبلي الذي تحاول تركيا أن تلعبه في ليبيا خاصة أن مصر تعتبر الأمن القومي في ليبيا هو امتداد للأمن القومي المصري
وأن مصر لن تقبل أبداً أن يكون علي حدودها قوات أجنبية علي الأرض الليبية وحول الدور التركي في المنطقة فمازال التدهور الاقتصادي في تركيا يمثل علامة عن مستقبل أردوغان في تركيا
خاصة أن انتخابات الرئاسة التركية ستكون في العام القادم 2023 خصوصاً بعد أن تدهورت شعبية أردوغان بسبب التضخم الكبير في تركيا واستياء أفراد الشعب التركي من غلاء الأسعار ومطالبة المعارضة التركية بانتخابات مبكرة
ورغم كل هذا التدهور في الاقتصاد التركي مازال أردوغان يحاول التدخل في دعم ناجورني كاراباخ ضد أرمينيا ويعادي روسيا في نفس المكان
ومازال مصراً علي معاداة الولايات المتحدة في صفقة الصواريخ الروسية S400 ويحاول الآن التسلل الي الدول الأفريقية بعد إنشاء قاعدة عسكرية في الصومال وبناء علاقات جديدة مع الدول الأفريقية في عام 2022.
وعلى الجانب الآخر تأتي إيران باستمرار تعنتها بعدم الوصول الي تنفيذ الاتفاق النووي الا بعد قيام الولايات المتحدة برفع كامل العقوبات الاقتصادية عنها
ورغم ما تعلنه الولايات المتحدة أنها الفرصة الأخيرة لإيران لتنفيذ الاتفاق سياسياً وهناك يبرز الي سطح التفاوض ليس فقط القوة النووية لكن تطلب باقي الدول من إيران السيطرة علي تطوير قوتها من الصواريخ البلاسيتية
ومنع ايران من التدخل في دول المنطقة ويقصه بها أذرع ايران في حزب الله في لبنان واليمن وسوريا والعراق.. الا أن إسرائيل تقف هي الأخرى لي الجانب الأخر لتعلن أنها لن تسمح بحصول إيران على السلاح النووي
بل وأعلنت بكل صراحة أنها ستتدخل عسكرياً لمنع إيران من حصولها على النووي ولكن الجميع يذكر أن مخاطر التدخل العسكري الإسرائيلي سيعود على إسرائيل بالعديد من المشاكل..
وهل إسرائيل بالفعل قادرة وهل هناك حسابات لأذرع إيران الخارجية مثل حزب الله في لبنان وهل سيقف ساكنا أمام تدخل إسرائيل عسكرياً.. اعتقد أنها حسابات معقدة تقلق إسرائيل في حساباتها في حالة القيام بتدخل عسكري في إيران ومنشآتها النووية.
وعلي مستوي مصر فلقد حقق الرئيس السيسي توازناً كبيراً في العلاقات السياسية بين كل الأطراف سواء القوي العالمية والمحلية والافريقية
واعتقد أن نجاحه في توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة بعد تولي الرئيس جو بايدن الحكم بعد حرب غزة الرابعة واعترافه بدور مصر المحوري في المنطقة ثم العلاقات السياسية المتزنة لمصر مع روسيا ودول الاتحاد الأوروبي بالكامل
لكن جاء التدخل الألماني الأخير بعد رحيل ميركل حول قضايا حقوق الإنسان في مصر لاشك قد أزعج الحكومة المصرية لكن الرئيس السيسي يحاول دائماً تهدئة الأمور للتركيز علي النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تنفيذها مصر حالياً في إطار الجمهورية الجديدة.
ويجئ بعد ذلك المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الدولي حيث تتم نهضة ثقافية واجتماعية تنفذها السعودية رغم قلقها من التحرش اليمني من الحوثيين التي تتمثل تهديد أمن واستقرار الدولة بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة علي جنوب البلاد
وتأمل السعودية أن يتم حل المشكلة اليمنية في إطار دبلوماسي تحت راية الأمم المتحدة ولكنها تعلم تماماً أن حل المشكلة في يد الإيرانيين قبل اليمنيين
ومازالت مشكلة إثيوبيا ومحاولة أبي أحمد لإحكام السيطرة علي بلاده رغم الاعتراضات الدولية علي انتهاك حقوق الإنسان هناك وتصعيد مشكلة المياه مع مصر والسودان
حيث يحاول لم الشمل بين كل القوميات المتنازعة وخاصة إقليم تيجراي لكني أثق أن مشكلة المياه سوف تحل بالطرق الدبلوماسية لأنها رغم أن مصر والسودان والمجتمع الدولي وتركز علي الحل السياسي لهذه المشكلة.
وأخيراً مشكلة لبنان حيث وصل الوضع الاقتصادي الي مستوي متردي للغاية وجاءت مشكلتها مع السعودية لتزيد الأمور سوءاً علي البلاد رغم محاولة المجتمع الدولي وأوروبا وفرنسا بالذات علي محاولة حل هذه الأزمة
وهكذا يدخل العالم الي عام جديد 2022 والمشاكل الاقتصادية والسياسية ووباء كورونا يطل علي الأبواب ورغم ما يتمناه الجميع من عام سعيد يعود علي البشرية الا أننا ننتظر أن تنجح المساعي الدبلوماسية في تحقيق السلام بين ربوع هذه الدول.