لشاعر النيل حافظ إبراهيم قصيدة وطنية بعنوان ” مصر تتحدث عن نفسها ” غنتها أم كلثوم ولحنها رياض السنياطى يقول فى مطلعها ” وقــف الخلــق ينظـرون جميعــا , كيف أبني قواعد المجد وحدي ” ،
تذكرت كلمات هذه القصيدة وأنا أتابع مصر وهى تبهر العالم للمرة الثانية فى عام واحد ، بعد عدة أشهر من إبهار العالم فى حفل نقل المومياوات الملكية إلى متحف الحضارة ،
مصر تبهر العالم للمرة الثانية بإحياء ممر تاريخى عمره أكثر من الـ 3 آلاف عام ويربط معبد الكرنك بمعبد الأقصر ، في مدينة طيبة القديمة . وهو طريق الكباش .
يأتى هذا الزخم وتلك الصحوة التى إجتاجت المجتمع المصرى بعد حالة جدل شديدة إنتابت المجتمع المصرى بعد قرار الفنان هانى شاكر نقيب المهن الموسيقية بوقف 19 من مغنيي المهرجانات ،
والحقيقة أن المتأمل لدفتر أحوال مصر يرى ضرورة أن تعود مصر لدورها الريادى فى محيطها الإقليمى ومنطقتها العربية فى مجال ” القوى الناعمة ” ،
ولقد تميزت مصر ولسنوات طوال بثقافتها وفنونها الراقيه التى تنوعت مابين” سينما ومسرح وغناء وفن تشكيلى ونحت ورسم وأدب وتعليم وإعلام ونمط إستهلاك طعام وملابس ، إضافه إلى التربية والأخلاق .. إلخ “
ومما لاشك فيه أن أم الكوارث وبداية الوهن والفت فى عضد القوى الناعمة المصرية كانت فى الـ 15 عاما الماضية عندما إنحسر دور الدولة فى الإنتاج الدرامى
وتعرض قطاع الإنتاج بإتحاد الإذاعة والتليفزيون لحالة إختفاء قسرى أدت إلى توقفه تماما بعد أن ظل مسيطرا على الإنتاج الدرامى والفنى فى مصر والعالم العربى منذ تأسيسه عام 1985
محدثاً طفرة كبيرة فى إنتاج الأعمال الدرامية المرئية من مسلسلات وأفلام روائية وتسجيلية ورسوم متحركة تعدت الـ 15 ألف ساعة درامية و400 فيلم روائى ، و600 فيلم تسجيلى ، وأعمال دراميه يشهد لها القاصى والدانى من الخليج إلى المحيط .
وجاءت الطامة الكبرى ببيع الأصول السالبة للأفلام المصرية أو ” النيجاتيف” وأنا أعتبر أن هذه الصفقة كانت شراءا لذاكرة الأمة المصرية ،
وكانت جريمة لاتغتفر فى حق مرتكبيها لأنها كانت بمثابة تفريط فى ذاكرة السينما المصرية ، أيا ماكانت المبررات والجج التى سأقها أصحاب هذا الراى ،
وجاءت الخطوة التالية بشراء أصول لشركات إسطوانات وأشرطة موسيقية وغنائية مثل شراء نصيب ورثة الفنان محمد عبدالوهاب فى شركة صوت الفن .. إلخ
وكانت عقود إحتكار المنتجين الكأس المر التى تجرعها أكثر نجوم الغناء فى مصر مما أدى إلى تعطيل مشوارهم الفنى وتأثره بعقود ” الإحتكار ” التى تم توقيعها وفقا لشروط جزائية كانت سببا فى إنسحاب البعض منهم من الساحة الفنية ..
ترى هل وعينا حجم المؤامرة ، وكيف بدأ نسج خيوطها ؟
والحق أقول أن هبوب رياح الخليج الجافة لم يقتصر على الفنون وإستهداف القوى الناعمة المصرية ، رغم كل ماسبق وبعد أن أصبح “محمد رمضان ” نجم حفلات الخليج الأوحد ،
وبعد أن نال ” حمو بيكا ” شهادة الدكتوراة الفخرية وهو لايجيد حتى كتابة إسمه ، ليكونا القدوة والمثل لـ جيل بأكلمه يسير على نفس الدرب ،
حتى هبت علينا رياح خليجية محملة برائحة النفط تحمل إسما بات معروفا بين ليلة وضحاها لـ ملايين المصريين على مختلف إنتماءاتهم الرياضية ،
وبخفه دم المصريين لقبوه ” شوال الرز ” وكان لوجوده تداعيات كبيرة على كرة القدم المصرية ، بعد أن دفع أرقامًا مالية فلكية وإشترى أندية ، ودفع ملايين الدولارات فى تعاقدات مع لاعبين جدد لاتتناسب مع سوق اللاعبين المصرى ومنح هدايا وتبرعات ومكافآت وأموالا وسيارات وساعات .. إلخ
إنها خطة ممنهجة ومدروسة كتب عنها الأستاذ محمد يوسف العزيزى فى مقال له بعنوان : معاول هدم الذوق العام لن تتوقف ، وقال” إنها خطة متعددة الأطراف ، ويتم الإنفاق عليها ببذخ ” وأى بذخ” وهذفها هزيمة هذا الوطن فى شبابه وأجياله القادمة ، إن إستهداف الشباب وإغراقهم بالمخدرات ، وتغييبهم للوعى وغياب الرمز والقيمة فى الفن والكلمة ، يؤدى حتما إلى الفراغ والضياع ، وتكون المحصلة جيلا بلا ماضى بلا رمز وبلا قدوة .
أن ماشهدناه فى مدينة الأقصر من إبهار للعالم فى حفل إفتتاح طريق الكباش لابد أن يكون صحوة نعيد من خلالها النظر فى قوتنا الناعمة ،
وفى ثقافتنا ، وفنوننا ، وفى المقدمة ” إعلامنا ” الذى تخلف كثيرا وتشرذم وتقوقع على نفسه ، فى ظل غياب الرؤية ، والتهميش المتعمد ، وسيطرة قنوات رأس المال على المشهد الإعلامى فى مصر ،
والحقيقة أن ضررها أكثر من نفعها على متخذ القرار نفسه ، فهى هدفها الأول والأخير رعاية رأس مال سيدها ، ولايهمها مصلحة الوطن وأمنه لامن قريب أوبعيد .
نأمل فى عودة قوية لمصر ، وفى عودة تأثيرها ” الثقافى ” و ” الفنى ” و ” الإعلامى ” .. إلخ فى محيطها العربى والشرق أوسطى ،لان ذلك يُعد أمرًا على درجة عالية من الأهمية .. ودائما وأبدا ” تحيا .. مصر ” .