إبراهيم نصر يكتب: لا تعارض بين الفتوى والقانون (2/2)
انتهيت فى المقال السابق إلى أن الفتوى الشرعية تختلف عن القانون، وأنه لا تعارض بينهما، وأن لكليهما مجاله واختصاصه،
وتظل الفتوى هى الحاكمة والمهيمنة على سلوكيات المسلم الراغب فى فعل ما يرضى الله ورسوله،
وكم من أحكام صدرت وفق صحيح القانون وبما لا يخالف شرع الله، إلا أن القاضى تحكمه الأدلة والتحريات وشهادة الشهود
إلى غير ذلك من الإجراءات التى تجعل القاضى يحكم بما استيقن أنه الحق، ويظل حكمه عنوانا للحقيقة،
ولا يكون القاضى مسئولا عن التلاعب فى الأدلة أو تلفيق التحريات أو شهادة الزور، طالما أن ذلك كله وغيره يتم دون علمه، ولم يعلم عنه شيئا.
ولا يكون الحكم نهائيا وباتا إلإ بعد مروره بمختلف درجات التقاضى التى تبدأ بمحكمة أول درجة أو المحكمة الابتدائية
وتنتهى بمحكمة النقض.
الفتاوى الضالة أو المضللة تؤثر على الأمن القومى المصرى
وكما لا يجوز أن تصدر أحكام قانونية بعيدا عن ساحات المحاكم، فلا يجوز أيضا أن تصدر الفتاوى الشرعية من غير المتخصصين
المصرح لهم بذلك، من خلال الهيئات المعنية بالفتوى فى الأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية
أو من يرخص له بذلك من أى منهما، ويرجح رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى حالة تعارض الفتوى
بين الجهات المذكورة وفقا للإجراءات والشروط التى تحددها اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الفتوى المقترح،
ونحن بالفعل نحتاج إلى صدور هذا القانون، لأن الفتاوى الضالة أو المضللة تؤثر على الأمن القومى المصرى،
ولابد من مواجهتها بشكل حاسم، وذلك دون التعدى على اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أو خلق كيان مواز لها،
لأن الدستور جعل الأزهر الشريف – دون غيره – المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية،
والمسؤول عن الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية، في مصر والعالم.
وكانت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية ومقرها البحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي،
نائب رئيس مجلس الدولة، قد أصدرت حكما بشأن منع غير المتخصصين من الفتوى، وأشاد به فى حينه بعض نواب البرلمان،
مؤكدين أن الحكم دليل قاطع على صحة رؤية أكثر من 60 نائباً بمجلس النواب، بشأن مشروع القانون المقدم للمجلس،
لمنع غير المتخصصين من الفتوى، وتنظيم ذلك.
ووصف أحد النواب الحكم بـ “التاريخى”، مشيرا إلى أهميته لمنع غير الحاصلين على ترخيص من الأزهر الشريف،
أو وزارة الأوقاف من اعتلاء المنابر، وذلك لأن المحكمة كشفت ولأول مرة، عن أن المشرع لم يضع تعريفاً للمجتهد،
وأنه يوجد فراغ تشريعي ـ وليس شرعياً – لتنظيم عملية الإفتاء، ووضعت عدة مبادئ بحظر الإفتاء من غير المتخصصين،
وقد أصبح هذا الحكم نهائيا وباتا.
هناك قوانين تنظم عمل جميع المهن عدا مهنة الإفتاء
وأكد أن التدخل التشريعي، أصبح أمراً ضرورياً وعاجلاً بعد هذا الحكم، لمنع غير المتخصصين في مجال الدعوة،
من التحدث في الأمور الدينية، خاصة وأن البلاد تعاني في الأونة الأخيرة، من فوضى الفتاوى الصادرة عن غير المتخصصين.
وأشار إلى أن من يصدورن تلك الفتاوى، لم يدرسوا الفقه الإسلامي وأمور الدين، وكذلك لا يتركون الفتوي للدارسين
وخريجي الأزهر، الأمر الذي يتسبب أحيانا في خروج فتاوى تثير الفتن، مؤكداً أنه من المعروف أن هناك قوانين
تنظم عمل جميع المهن، عدا مهنة الإفتاء.
وأوضح أن مهنة الإفتاء من أخطر وأهم المهن، لأن هناك من يستغلون الدين لأغراضهم الخاصة،
ويحدثون البلبلة والفتن الكبيرة داخل المجتمع.
وأخيرا: أرجو أن يكون مشروع القانون المنتظر أن يناقشه محلس النواب خلال دورة الانعقاد الحالية،
متضمنا عقوبات مشددة تصل إلى غرامات مالية كبيرة، والحبس لكل من يخالف نصوص هذا القانون،
للقضاء على ظاهرة فوضى الإفتاء الخطيرة، التي تهدد الأمن والسلام الاجتماعي، خاصة بعد إساءة البعض استخدامها
عبر وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا.
[…] وإن شاء الله تعالى للحديث بقية فى المقال القادم. […]