” برشامة ” .. قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

الأديب الشاعر محمد الشرقاوي
ابتسامات صافية تقفز من وجوه المارة ، الشمس تبدو وكأنها عائدة بعد غياب طويل ، تغازل الجميع بأشعتها الذهبية الدافئة ، شوارع الحي تبوح بمشاعر جديدة وتكسوها لمسة جمالية غابت طويلا ، احساس بالأمان يحيط بالجميع فيخلق شعورا بالسعادة والأمل ، لقد مر خمسة أيام دون حدوث مشاجرات ، العيون تفصح عن أسئلة هامة : ما الذي حدث ؟ ومتى ؟ وكيف عادت تلك المشاعر التي هاجرت من قبل ؟ الجميع في شوق لمعرفة الإجابات التي لا يعلمها سوى بعض المقربين من هذا الشاب الأسطورة عاصم والذي يطلق عليه أهل الحي لقب ( برشامة ) هذا الشاب الذي كان سببا في إصابة أمه بعدة أمراض مزمنة وذلك لكثرة عناده وسوء تعامله معها رغم أنه عائلها الوحيد بعد وفاة أبيه وزواج أخته وفاء ، كم أيقظ الحي بأكمله مرات ومرات على أصوات المشاجرات العنيفة التي تزدحم بصورها الذاكرة البصرية للسكان وكذلك ذاكرة الهواتف ، فقد وقع القليل منها بالأيدى في حين تم أكثرها باستخدام قطع الأخشاب والأسلحة البيضاء والزجاجات الفارغة مما أحدث إصابات بالغة بالأبرياء بالإضافة لشعور الخوف والقلق ، وأما الذاكرة السمعية فقد ضجت وشكت من سيول الألفاظ البذيئة التي تقتحم الآذان فتجرح مشاعر الجميع وخاصة النساء والفتيات .
في ركن من أركان المقهى الشهير يلتف جمع من الناس حول المعلم ضاحي صاحب المقهى لعلهم يجدون لديه تفسيرا لتلك الأجواء الجديدة ، يقص لهم ما حدث فيتلاشى الغموض والتعجب شيئا فشيئا ، يقول ضاحي : منذ عدة أيام كان عاصم متجها نحو المقهى فأثار انتباهه وجود حشد من الناس أمام ذلك المبنى الشاهق الذي ظل يمر أمامه عدة سنوات دون أن يخطر بباله أن يسأل عنه ولا عما يدور داخله ، لكن في هذه المرة ساقه الشوق لمعرفة الأمر ، يقترب من الواقفين ويزداد شوقه لأن تلك الوجوه غير مألوفة لعينيه ، يقف إلى جوار شخص تبدو عليه الأناقة والبهاء وفي يده كتابان وصحيفة من الصحف المشهورة ويسأله :
– ماذا يحدث هنا ؟ وما هذا المبنى ؟
– هذا قصر ثقافة المدينة وسيقام بعد قليل مؤتمر أدبي هام للشعر والقصة وسوف تسجله إحدى القنوات الفضائية .
– هل الحضور متاح للجميع أم لأصحاب الدعوات فقط ؟
وهنا يبتسم الرجل مرحبا به داعيا إياه للحضور لأن ذلك متاح لكل من يرغب . يلتقط عاصم هاتفه ليستدعي أصدقاءه الذين حضروا خلال لحظات .
في القاعة الواسعة المضيئة وبين جمع من الأشخاص الذين يجلسون وفي يد كل منهم كتاب أو مجلة أو حقيبة ، يجلس عاصم وأصدقاؤه مستمعين لكلمات الترحيب بالحاضرين والثناء عليهم من مقدم المؤتمر ، تتوالى القصائد الهادفة من الأدباء لتمتع الحاضرين وكذلك القصص التي تجلب إعجاب الجميع ، اما عاصم وأصدقاؤه فقد أصابتهم الدهشة ، يهمس كريم في آذانهم : لقد رأيت بعض هؤلاء الأشخاص على شاشات المقهى ، يرد عاصم : إن كل ما نستمع إليه يناقش قضايا حياتنا ومشاكلنا الشخصية والاجتماعية ، ولكنه وجد سؤالا هاما يدور بخاطره : ما السبب وراء عدم تواصل الشباب والجمهور مع هؤلاء الأدباء والمفكرين ؟ كانت تلك اللحظات من التفكير العقلي الصادق هي بداية صحوتهم ، وبدت هناك رغبة حقيقية في التغيير تنمو داخل قلوبهم . يقول عاصم : لقد كنا تائهين ولكن من الآن لابد أن نتابع ونتعلم ونستفيد من هؤلاء المفكرين . ثم يؤكد كريم قائلا : وعلينا أيضا أن نبحث عن عمل نحقق من خلاله أحلامنا ونساعد أهلنا في تلك الأيام العصيبة .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.