إبراهيم نصر يكتب : لا تعارض بين الفتوى والقانون (2/1)
يؤسفنى أن يحاول الدكتور سعد الدين الهلالى، بفصاحة لسانه ومجادلته بالقرآن، أن يوهم عوام الناس بأن هناك تعارضا
فى بعض القضايا بين الشريعة والقانون، أو بمعنى أدق بين الفتوى الشرعية والقانون المعمول به فى البلاد،
فكثيرا ما يثير هذه القضية فى الفقرة الدينية من برنامج “الحكاية” الذى يستضيفه فيها الإعلامى عمرو أديب
مقدم البرنامج على فضائية “إم بى سى مصر”.
ولا يكتفى الدكتور الهلالى بذكره لغريب أقوال العلماء التى تخالف فى الغالب قول أئمة المذاهب وإجماعهم على حكم شرعى بعينه،
وإنما يحاول التلبيس على الناس بأنه إذا تعارضت الفتوى الشرعية مع نصوص بعض القوانين أو أحكام القضاء،
فينبغى اتباع القانون أو حكم المحكمة وترك الفتوى الشرعية!.
لا تعارض
والحقيقة من وجهة نظرى، أنه لا تعارض بين الفتوى والقانون أو أحكام القضاء، إذ أن كل القوانين المعمول بها فى البلاد
تتم مراجعتها من قبل مؤسسة الأزهر الشريف المنوط بها مراجعة القوانين المستحدثة وإجازتها قبل إقرارها،
وبعد التأكد من عدم تعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية، وإذا كانت هناك قوانين تم إقرارها فى السابق دون مراجعة شرعية،
فيتم الطعن عليها بعدم الدستورية، وتسقط الأحكام المتعلقة بهذه القوانين إذا حكمت المحكمة الدستورية العليا
بعدم دستوريتها لمخالفتها للشريعة الإسلامية، وللدستور المصرى الذى ينص فى الجملة الثالثة من مادته الثانية على:
“.. ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع”.
هذا بالنسبة للقوانين والقضاء وأحكامه، بينما الفتوى يلجأ إليها عموم الناس حين يلتبس عليهم أمر فى أمور دينهم
أو يتعلق بأمور دنياهم، تحريا للحلال والحرام، بينما القانون والمحاكم يلجأ إليها المتخاصمون لفض النزاع بينهم،
أو للحصول على حق ضائع، أو لعقاب متهم فى جريمة أو جنحة.. إلخ.
وقد يقول القضاء كلمته وفق القانون المتسق مع الشريعة، ويكون الحكم جائرا بسبب براعة الدفاع عن أحد الخصوم
أو التلاعب فى الأدلة أو شهادة الزور، فإذا استيقظ ضمير المستفيد من هذا الحكم، وأراد ان يتحلل فى الدنيا من ذنبه،
فإنه يلجأ للفتوى لمعرفة كيف يرد المظالم، وكيف يكفر عما اقترف من قلب الحقائق أو اتهام البرئ أو أكل ما ليس له بالباطل،
إلى غير ذلك من صور شتى لأحكام صحيحة فى الظاهر، وهى تحمل فى طياتها الظلم البين لمن لم يستطع أن يدافع
عن نفسه أو كان خصمه ألحن بالحجة منه، فتبقى الفتوى الشرعية هى الحاكمة والمهيمنة على السلوك الإنسانى
لمن أراد أن يتطهر أو أراد أن يرد المظالم إلى أهلها، بعيدا عن ساحات المحاكم التى تحكمها الأوراق والمستندات والتحريات
وشهادة الشهود، بينما الفتوى تهيمن على ضمير المستفتى وتلقى فى روعه أن عقاب الله وعذابه فى الآخرة أشد وأبقى
من عقاب الدنيا الذى يهون ـ مهما كانت قسوته ـ أمام عقاب الله عز وجل.
فأين التعارض يا دكتور سعد؟.
الطلاق الشفوى يقع .. والزواج أيضا
أما توهم تعارض الفتوى بالفعل مع القانون أو أحكام القضاء، كما هو الحال فى قضية الطلاق الشفوى الذى رأت
هيئة كبار العلماء فى الأزهر الشريف أنه يقع، والقانون لا يعترف بالطلاق الشفوى، فإن الطلاق الشفوى غير الموثق
يمكن إثباته أمام المحكمة بشتى طرق الإثيات، وإذا وقر فى وجدان المحكمة صحة الأدلة فإنها حتما ستوقع الطلاق
رغم كونه شفويا وليس مسجلا لدى المأذون، والشيئ نفسه بالنسبة للزواج، فلا يقول بعدم وقوع الزواج الشفوى إلا مغيب
عن الواقع، بدليل أنه بمجرد إشهار الزواج وعقد القران بصيغته الشفوية واكتمال شروطه وأركانه، فإن الزوج يدخل بزوجته
قبل صدور وثيقة الزواج من المحكمة التى قد يتأخر إصدارها أسبوعا أو أكثر أو أقل، فهل دخوله هذا يعد زنا، أو يستطيع أحد
أن يمنعه من الاستمتاع بزوجته، بزعم أن الزواج لم ينعقد لعدم صدور وثيقة الزواج الرسمية؟!.
وإن شاء الله تعالى للحديث بقية فى المقال القادم.
[…] فى المقال السابق إلى أن الفتوى الشرعية تختلف عن القانون، وأنه لا تعارض […]