محمود عبد الكريم يكتب : ما الذي جري لنا ؟
لماذا وصلنا الي هذه الدرجة من القسوة والعنف ولماذا كل هذا الغضب المبرر وغير المبرر ؟
في المساجد بلا استثناء يتزاحم المصلون حتى تضيق بهم وفي نفس الوقت تحتل مصر في الاحصائيات العالمية موقعا متقدما للغاية في مؤشرات الفساد والتحرش الجنسي,. والجريمة وارتفاع نسب الطلاق واكتظاظ المحاكم بملايين القضايا الأخلاقية والأجتماعية وقضايا الوراثة
في كل بلاد الدنيا يوجد فاسدون يتظاهرون بالتدين، أما في مصر فإن معظم الفاسدين متدينون فعلا ومع ذلك هناك تزايد فى الجريمة وتطور مخيف فى نوعيتها .
الموظف المرتشي والطالب الغشاش والصيدلي الذى يبيع أدوية منتهية الصلاحية والممرضة التي تسيء معاملة المرضى ، كل هؤلاء ستجدهم غالبا متدينون بصدق لأنهم ببساطة لايرون أي تناقض بين سلوكهم الفاسد وفهمهم للدين.
هذا الانفصال بين الدين والسلوك أصابنا بسبب طبيعة العائدين من دول الخليج بأفكارهم المتشددة التى غزت مصر في العقود الأخيرة..
لقد وصلنا الى ماقبل مرحلة الأنفلات الأخلاقى بسبب انحسار دورالأسرة ، لقد استقالت الأسرة من عملها فى تربية وتهذيب الأبناء وتنمية القيم الطيبة فيهم
وذلك بعد أن أصاب التفكك الأسرى المجتمع وانهارت قيم الشجاعة والمروءة والطيبة والعطف وحل محلها قيم بائسة وضيعة كالرشوة والنفاق والخداع والتحايل وعدم الوضوح فى المعاملات وتقليد الآخر بعلم وبدون علم !
تحول البائع الى غشاش والطبيب الى انتهازى والمعلم الى تاجر للدروس الخاصة ، وأصبح عرض المشاهد الخادشة للحياء سواء فى السينما أو التلفاز أو على مواقع اليوتيوب أمرا عاديا
وأصبحت النساء على هذه المواقع لا تتحرج من أجل المال فى الكشف عن اجسادهن واصبح التدين مجرد طقس خال من الإيمان الحقيقي وخشية الله ومراقبته فى كل تصرف
من أهم الأسباب التى ساهمت فى ما أصاب المجتمع المصري .. السفر و الهجرة الواسعة للمصريين إلى بلدان الخليج منذ نهاية السبعينيات مما أدى الى خلل فى منظومة القيم وتحول إلى انقسام هائل بين عامة المصريين، بين ما هو إسلامى متشدد وبين ما هو علمانى
بينما كان الحال مختلفا فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى عندما كان يمكن القول إن هناك تيار رئيسي لشخصية المصريين بعيدا عن التطرف والانقسام الحاد فى المزاج السياسى والثقافى.
كذلك أدى النمو السكانى الكبير خلال الأربعين سنة الأخيرة إلى نشوء مناطق عشوائية كبيرة تضم كتلا سكانية ضخمة.قادمة من الشمال والجنوب لدرجة أن بعض التقديرات تشير إلى أن نحو ٣٧٪ من الكتلة العمرانية فى مصر عشوائيات. وسكان العشوائيات يعيشون فى ظروف غير إنسانية تنتشر فيها البطالة والفقر، وتنمو لديهم ثقافات ليس لها علاقة بثقافة التيار العام فى المجتمع،
من ناحية أخرى، تعمقت أزمة الطبقة الوسطى المدنية نتيجة تيارات الهجرة إلى الخليج التى شملت كل عناصر الطبقة الوسطى وخاصة الشرائح الدنيا والمتوسطة. وبدأت تلك الفئات تعانى من تدهور أسلوب الحياة من حيث نمط المعيشة وقصور الخدمة التعليمية والخدمة الصحية.
ويمكن اختصار ما يحدث مؤخرا فى المجتمع من شذوذ عن الأصالة المصرية والعنف والتفكك المجتمعى أن ما يساعد على استمرارها التفكك الأسرى نتيجة هجرة كثير من الأباء إلى الخليج وارتفاع معدلات الطلاق، تراجع دور المدرسة والمعلم فى التنشئة والتربية الوطنية،وغياب التنمية الثقافية
لذا فان المطلوب الآن ضرورة إعادة بناء وتحديث مؤسسات ومرافق الدولة التى أصابها الترهل والشيخوخة وعدم الكفاءة بفعل الزمن