جو من السكون يسود المكان وتلك طبيعة أهل القرية وخاصة بعد قدوم الليل ، يفرغ الحاج محمود من قراءة ورده اليومي من كتاب الله تعالى ،ينظر في هاتفه ، أرقام الساعة تعلن عن تمام الثامنة مساء ، يشير لأهل بيته بتجهيز بعض المشروبات في حين يتجه إلى حجرة الضيوف ،
لحظات قليلة بعدها يسمع رنين جرس الباب فيأمر أحد أحفاده بفتحه بينما يقف هو استعدادا للقاء الضيف القادم .
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، مرحبا بك أيها الشاب المكافح .
يسمع سالم كلمات الترحيب من عمه القريب إلى قلبه فيزداد بهجة ولكنه يعتذر عن تأخره لمدة ساعة نظرا لانشغاله في الحقل منذ الصباح الباكر ،
يقبل العم عذره داعيا له بالتوفيق والسداد وزيادة المحصول ، ثم يقدم واجب الضيافة فيشكره سالم معربا عن سعادته بلقائه وحرصه على الحديث معه لمحبته إياه وإعجابه بحكمته المعروفة .
ما زال سالم يسأل نفسه في صمت : لماذا طلبني عمي للحضور ؟
وبفراسته المعهودة يقول له العم : لقد اشتقنا للجلوس معك وتبادل الحديث ، يبتسم سالم شاكرا عمه على حسن مشاعره ،
تمر الدقائق في حديث عن ظروف العمل وإنتاج الحقل وأسعار المحاصيل التي لا تغطي تكاليف إنتاجها ، ثم يقول الحاج محمود : سأحكي لك قصة قرأتها ، يصغي سالم لحديث عمه الذي اعتاد أن يسمعه ليأخذ منه الحكمة والموعظة
يقول الرجل : كان على متن إحدى السفن عدد كبير من المسافرين وبينما هي في عرض البحر تصارع الأمواج العاتية وتخشى الرياح الشديدة إذ حدث أمر عجيب . يزداد انتباه سالم ويسأل بشوق : ماذا حدث يا عمي ؟
– لقد أعلن قائد السفينة امتناعه عن مواصلة القيادة ، وهنا يقف سالم صائحا : كيف ذلك ؟ ألا يخشى الغرق ؟ وإذا كان لا يخشى على نفسه ، فكيف يضحي بالمسافرين ؟
يسأله العم قائلا : ولماذا غضبت هكذا يا ابن أخي ؟
– لأن هذا أمر لا يصدر عن عاقل مسئول .
– وهل تتوقع نتيجة ذلك الفعل ؟
– نعم يا عمي ، بالتأكيد سيغرق الجميع .
ما زال الحاج محمود هادئا وبابتسامة عريضة يقدم مشروبا آخر لضيفه الذي يشكره سائلا عن بقية أحداث القصة
ولكن العم يقول له : سأخبرك بما حدث ولكن بعد أن أسألك سؤالا واحدا ، يحاول سالم تأجيل سؤال عمه لحين معرفة بقية أحداث تلك القصة المشوقة لكن العم يبدي تمسكه بالسؤال أولا ،
وعندها يقول الشاب : وما سؤالك يا عمي ؟ يقول الرجل : أليست الأسرة مثل السفينة إن تركها قائدها غرقت بمن فيها ؟
وقبل أن يجيب سالم ينتبه لخلافه مع زوجته التي تمكث في بيت أهلها مع أولاده الأربعة منذ أسبوعين وهنا يبتسم سالم مدركا مغزى القصة قاطعا على نفسه عهدا أن يصلح ما بينه وبين زوجته دون وسطاء وأن يكون الحب والتفاهم والتعاون هو شعار المنزل
وألا يتخلى عن قيادة السفينة مهما رأى من متاعب الدنيا التى لا دخل فيها للزوجة ولا للأبناء .
يسأله العم : هل ما زلت مصرا على معرفة بقية أحداث القصة ؟
يجيبه سالم : النتيجة معروفة يا عمي ، لقد أدركت الآن لماذا يطلقون عليك لقب حكيم القرية .