لحظات قليلة تمضي على نشر سلمى أحدث منشوراتها ، تتوالى التعليقات والمشاركات التي تصل إلى الآلاف ، لم تكن سلمى تشعر يوما باليأس ولم تكن تلك الكلمة تعرف الطريق إلى عقلها وقلبها بل كانت كل منشوراتها تبوح بالأمل والتفاؤل والإبتسامة ولكنها حين انكشفت لها الحقائق رأت أنه من الواجب أن تقص للناس قصتها لعلهم يأخذون منها العبرة والعظة .
تقول سلمى : حينما بدأت الدراسة في تلك المدرسة كانت نظرتي لهذا المكان نظرة مثالية ، فهؤلاء المعلمون لهم كل إعجاب وتقدير ، أعاملهم كما تعلمت من أسرتي ، المعلم هو الأب والمعلمة هي الأم والزميلات جميعهن أخواتي
أما المدرسة فهي واحة الأمن وبستان العلم والفكر والأخلاق ، هي بيتي الثاني الذي أنتمي إليه قلبا وروحا ، أرى فيه مستقبلي وأيامي المشرقة الباسمة
أحافظ على من فيه وما فيه ولا أخشى شيئا فحولي جبال راسخة في العلم والقيم والمثل العليا ، إنهم دليلي نحو النجاح وتحقيق الأحلام .
ذات صباح ، كان طابور المدرسة مهيأ للانصراف إلى الفصول ، يسير بجواري معلم الفصل الأستاذ حسام ، يغازلني ببعض الكلمات فأخجل من الرد ، يسألني : هل تفهمين شيئا من الأستاذ خالد ؟
وعندما أجبته بكلمة نعم معبرة عن رأيي الحقيقي بصدق فإذ بوجهه يتغير ويبدو عليه التجهم والحدة ثم يقول غاضبا : إنه لا يعرف شيئا ولن يساعدك أثناء لجنة الامتحان وأنا أنصحك أن تأخذي درسا خاصا عند الأستاذ عادل فهو الذي يضمن لك النجاح بأعلى الدرجات .
تواصل سلمى : حينما سمعت تلك الكلمات أصبت بصدمة شديدة وظللت أسأل نفسي : لماذا يقول هذا ، فالأستاذ خالد مثال للبذل والعطاء والقوة في مادته العلمية والأسلوب السهل الجذاب وما أن جاء وقت الفسحة إلا وسمعت نفس الكلام من زميليه عادل وعماد
قضيت عدة أيام في صراع مستمر ، لكني وجدت نفسي أستسلم لكلام الثلاثة الذين اتفقوا معي على دروس خصوصية كل في مادته ، مرت شهور دون تحصيل أي علم يذكر بل على العكس تراجع مستواي العلمي والأخلاقي ولم أنتبه لذلك
تعلمت التمرد والكسل والقسوة في المعاملة ورغم ذلك لم يكن لدي الجرأة للحديث مع أبي أو أمي رغم أنني كنت في أشد الحاجة لمن يسمعني لكن كل منهما مشغول بعمله وحياته وليس لديه أي وقت للتحدث معي أو مع أختي الصغرى .
يوما ما وفور انتهاء اليوم الدراسي جلست بجوار أحد الفصول أنتظر صديقتي شيماء التي تسكن بجواري وترافقني ذهابا وإيابا ، صوت يقتحم أذني قادما من داخل الفصل ، أدركته سريعا ، إنه صوت الأستاذ حسام يتحدث مع زميليه عادل وعماد اللذين تحدثا معي سابقا أثناء الفسحة
يقول حسام : علينا أن نسحب كل طالبات المدرسة ونقتسم ما يعود منهن بعد تسليم نصيب مدير المدرسة ، ثم يقول عماد : لقد أقنعت الطالبات أنني رئيس لجنة المراقبة والامتحانات ( الكنترول ) بالمحافظة وقمت بنشر الخبر عن طريق بعض الطالبات اللائي نقوم باستخدامهن ، يقول حسام ضاحكا : طول عمرك كذاب كبير . يضيف عادل : وعند الامتحانات فسوف يقوم زميلنا أبو نصف لسان بتسريب كل الإجابات للطالبات وسيدفعن المقابل لذلك .
تختم سلمى منشورها قائلة : أدركت حينها أنني أمام عصابة منظمة من الشياطين الذين لا يخافون ربهم ، لقد أقنعوني أن النجاح بأيديهم دون سواهم وأدركت كيف كانوا يستخدمونني مع زميلات أخريات للترويج لمصالحهم وجذب الطالبات لهم وكيف كانوا يحاربون كل معلم شريف يؤدي عمله بصدق
لكني منذ ذلك اليوم فقدت الثقة فيهم وفي أمثالهم من الكذابين والمنافقين وصرت أحتقرهم جميعا ، إنهم حقا أعداء الإنسانية وعلى المجتمع أن يحاربهم ، لكن الأهم أن يكون هناك حوار ودي متواصل بين الأباء والأبناء حتى يتغلب الأبناء على ما يواجههم ولا يقعوا فريسة لمثل هؤلاء الشياطين .