اللواء دكتور سمير فرج يكتب : أكتوبر 2023

اللواء دكتور سمير فرج
مع انتهاء شهر أكتوبر هذا العام، أغلى الشهور في تاريخ شعب مصر، بعد الانتصار المجيد الذي حققته قواته المسلحة في عام 73، واستعادت به مصر كل شبر من ترابها الغالي، لابد وأن ننتبه لأنه وبعد عامين من الآن، في 2023، ستحتفل مصر بمرور خمسون عاماً على هذا النصر العظيم،
وهو ما أظن أنه يتعين علينا الاستعداد لهذه الاحتفالية الخاصة. وهو ما لا يعني أن مصر قد قصرت، في الاحتفال المشرف بذكرى ذلك اليوم العظيم، حتى يومنا هذا، ولكن أكتوبر 2023 يجب أن تكون له رؤية وشكل مختلف.
وهنا أتذكر الاحتفال بمرور 25 عاماً على نصر أكتوبر 73، إذ كنت، حينها، مديراً للشئون المعنوية، بالقوات المسلحة، والمسئول عن التجهيزات والإعداد لهذا الاحتفال. فحددت هدفي الرئيسي من المهمة التي كُلفت بها، وهو ضرورة أن يستشعر كل مصري عظمة ما حققه أبناء ورجال القوات المسلحة، مع شعب مصر العظيم، في أكتوبر 1973،
وعلى أساسه وضعت تفاصيل هذا الاحتفال. فكانت أول الأفكار التي نفذتها، هو تحليق عدد من الطائرات الهليكوبتر، فوق معظم المدن المصرية، لإلقاء كروت عليها، بموجبها يستلم أبناء مصر هدايا من القوات المسلحة، ورغم رمزية الهدايا، إلا أن الفكرة لاقت مردوداً عظيماً بين أبناء شعب مصر بمختلف ربوعها.
أما الفكرة الثانية، فكانت إقامة ندوة علمية عن حرب أكتوبر 73؛ قامت فكرتي الأولية على ندوة عالمية، يشارك فيها خبراء سياسيين وعسكريين من مختلف دول العالم، ورشحت على رأس المدعوين، هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وأحد أبرز السياسيين، الذين لعبوا دوراً محورياً، قبل وأثناء وبعد حرب أكتوبر 73،
إلا أن الرئيس الراحل حسني مبارك، رأى، عند عرض الفكرة على سيادته، أن نبدأ بندوة محلية، في ذلك العام، ثم نتوسع في تنفيذها في أعوام لاحقة. وبالفعل نفذنا ندوة استراتيجية عن حرب أكتوبر 73، على مدار ثلاثة أيام، قائمة على أربعة محاور؛ أولهم المحور العسكري، والثاني المحور السياسي، والثالث المحور الاقتصادي،
أما المحور الرابع فتناول الجوانب الاجتماعية. والحقيقة أن الحظ حالفنا في تنظيم تلك الندوة، بوجود معظم أبطال وقادة الحرب على قيد الحياة، فتعرف الشعب المصري، من خلال التغطية الإعلامية المباشرة لجميع فعاليات الندوة، على العديد من تفاصيل الإعداد لتلك الحرب، وما دار فيها من معارك، على لسان أصحابها.
وعلى صعيد لا يقل أهمية، استعددت للحفل الفني، وكنت حينها قد استمعت للوم عدد من أبناء وضباط وقادة القوات المسلحة، ممن شاركوا في حرب 73، وحقق كل منهم أعمالاً عظيمة في معاركها، بأنهم لا يدعون، مع الأسف، لحضور احتفالات النصر، فقررت، في ذلك العام، إقامة الاحتفال في الصالة المغطاة، بإستاد القاهرة، لتستوعب الآلاف من القادة والضباط والجنود المشاركين في الحرب، الذين قررت دعوتهم رسمياً إليها.
ورغم علمي بصعوبة تنظيم مثل ذلك الاحتفال في الصالة المغطاة، نظراً لأن تقنيات وتكنولوجيا الصوت والإضاءة المتاحة في مصر حينها، لم تكن قد وصلت للمستوى الموجود حالياً، إلا أنني قررت التغلب عليها باستقدام بعض الخبراء من الخارج، وهو أقل ما يمكن أن أقدمه في سبيل إسعاد وتكريم من ضحوا من أجل مصر.
أما العرض الفني فقد تقرر أن يحمل اسم البركان، باعتبار أن نصر مصر يوم 6 أكتوبر 73 كان بمثابة بركان انفجر في وجه العدو الإسرائيلي. اشترك في هذا العرض حوالي 1000 من جنود الصاعقة، و500 طالب وطالبة من معاهد التربية الرياضية في مصر، وأخرجه المبدع وليد عوني، أحد أبرز مخرجي دار الأوبرا المصرية، وكتب كلمات الأوبريت الشاعر المصري الأصيل مصطفى الضمراني، الذي عبر بكلمات قوية وصادقة عن نصر 73. فخرج الحفل الفني،
في ذلك العام، كأجمل وأرقى الاحتفالات الفنية، في تاريخ احتفالات مصر بنصر أكتوبر، عبر السنوات الماضية. وكان أغلى ما يميزه، حضور 18 ألف مقاتل ممن شاركوا في الحرب، بصحبة أسرهم، وأسر الشهداء، ليحتفلوا بأمجادهم، ولتتشرف مصر بوجودهم. ولقد علمت، بعدها، أنهم قد احتفظوا ببطاقات الدعوة الرسمية التي وصلتهم، بل ووضعوها في براويز وعلقوها في منازلهم، فخورين أمام أبناءهم وأحفادهم بأنهم أبطال هذا النصر لمصر.
وبعد نجاح هذا الحفل، تم تكراره في الصالة المغطاة، ودُعي إليه شباب الجامعات والمدارس الثانوية، ونظراً لطبعة المدعوون، فقد أقيم لهم عدد من المسابقات الفنية، في مختلف المجالات، منها كتابة القصص عن حرب أكتوبر، أو الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي عن أحداث حرب أكتوبر 73، وهو ما جذب انتباههم بشدة،
فشارك أكثر من خمسة آلاف شاب وشابة، وأثروا الساحة الفنية، حينها، بإبداعاتهم في كافة المجالات. وقد صاحب كل هذه الاحتفالات، خلال شهر أكتوبر من ذلك العام، عروضاً من قواتنا الجوية، في سماء المدن المصرية، وعروضاً عسكرية في كل مدن مصر، كما تم فتح المتاحف العسكرية، بالمجان، لعموم المصريين، ونظمت الشئون المعنوية، زيارات لها من طلبة المدارس والجامعات.
وأستطيع أن أقول، بلا تحيز، أن تلك الاحتفالات قد لمست كافة فئات المجتمع المصري، وجعلتهم يستشعرن المشاركة في ذكرى أعظم الانتصارات التي حققتها قواتهم المسلحة في العصر الحديث … واليوم أظننا مطالبين بالبدء في الإعداد للاحتفال بمرور خمسون عاماً على هذا النصر العظيم بما يليق بعظمة هذا الوطن الغالي.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.