فى الفترة مابين خمسينات وثمانينات القرن الماضى مكانش فى حد فى بر مصر المحروسة مالبسش بيجامة كستور مقلم أو جلابية من قماش الكستور طقلا كان أو شابا أو رجلا كبيرا أو إمرأة أو فتاة فى كل ربوع مصر من شمالها إلى جنوبها ، ومن شرقها إلى غربها ، بدءا من رئيس الجمهوريه نزولا لـ أصغر خفير فى ” كوم البيجا ” فى مركز أبوتشت بمحافظه قنا .
وببساطة تقدر تقول أن الكستور كان يعتبر واحدا من التراث المصرى الأصيل ، وأعتقد أن الدراما المصريه فى زمن الفن الجميل حرصت على توثيق الكستور ، وأن أغلبنا شاهد أبطال أفلام الأبيض وأسود أمثال الفنان حسين رياض فى فيلم ” بابا أمين ” والفنان عماد خمدى فى فيلم ” أم العروسة ” وعبدالحليم حافظ .. وغيرهم الـ كثير ممن إرتدوا البيجاما الكستور فى أعمالهم الدرامية .
الكستور لم يكن فقط حكرا على الطبقات الشعبية فى مصر ، وإنما كل طبقات المجتمع المصرى عرفت البيجامة الكستور المقلمة والجلابية ، بما فى ذلك الرؤساء ، وربما شاهد أغلبنا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والرئيس السادات بالبيجاما الكستور المقلمة ،
واللافت للنظر أبضا أننا شاهدنا الأسرى الإسرائيلين بعد نصر أكتوبر عام 1973 خلال عملية تبادل الأسرى ، وإحنا ملبسينهم البيجامات الكستور المقلمة ، والطريف أن من شده حب المصريين للكستور إخترعوا منه ” المريلة ” الكستور من القماش المسمى ” تيل نادية “
بإعتبارها زى موحد لتلاميذ المدارس من مختلف الأعمار والطبقات لما له من ميزة نسبية من حيث جودة الخامة المصنعة من القطن المصرى الخالص 100% ودقة صناعة مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى قلعة صناعة النسيج فى مصر
فى ذلك الوقت .
منذ بداية السبعينات كان قماش الكستور يوزع على بطاقات التموين فى مصر مع السلع التموينية مثل ” الزيت والسكر والشاى والصابون وكوبونات الجاز .. إلخ ” فى الجمعيات التعاونية والإستهلاكية وفى محلات القطاع العام ومنها ” شركة بيع المصنوعات ـ عمرأفندى ـ شملا ـ صيدناوى .. وغيرها “
ومع إقتراب موسم الشتاء كانت الأسر المصرية تحرص على شراء القماش الكستور أو صرفه على بطاقات التموين بإعتباره الكساء الشعبى لكل المصرين فى هذا الوقت ، إضافة إلى كونه مريح ويدفى الجسد .
على أية حال لم يكن يخلو بيت من البيوت المصرية فى الريف والحضر من القماش الكستور ، وكانت أغلب ملابس البيت تصنع من قماش الكستور ، وكان الكستور هو الكساء الشعبى للمصريين
وكانت أغلب ربات البيوت تمتلكن ماكينات للخياطة وهى التى تقوم بتصميم وقص وخياطة البيجامة الكستور والجلباب والطاقية من قماش الكستور المصنوع من القطن الناعم الذى تمتاز مصر بزراعتة .
والحقيقة أن مصر لها شهرتها الواسعة منذ القدم فى زراعة القطن طويل التيلة الذى تتهافت عليه دول العالم ، وقد إشتهرت أيضا بصناعة النسيج منذ قديم الأزل ، وإشتهرت بمايسمى ” القباطى ” نسبة إلى أقباط مصر الذين كانوا مهرة فى هذة الصناعة منذ الفتح الإسلامى لمصر ، وتحديدا فى محافظة الفيوم
أما فى العصر الحديث فقد إشتهرت مصر بالغزل والصناعات النسيجبة ومن بينها الأقمشة القطنية وأقمشة الكستور الذى كان من أهم دعائم النهضة الإقتصادية التى أسسها طلعت حرب باشا رائد الإقتصاد المصرى ، والشركات المتعددة التى حملت إسم “مصر” وبنك مصر .. إلخ .
والجدير بالذكر أن فترة السبعينات كانت حافلة بشركات القطاعى العام والخاص العاملة فى صناعة الغزل والنسيج فى مصر ، ومثلت الصناعات القطنية المحلية والملابس الكستور الشتوية مايقرب من الـ 44% من إجمالى الصادرات المصرية فى تلك الفترة
ولكن وبكل أسف جاءت حقبة الثمانينات بالإنفتاح الإقتصادى والخصخصة ، وبيع شركات القطاع العام ، وإنهارت إلى حد ما صناعة الغزل النسيج فى مصر بعد توقف المصانع بفعل فاعل ، وتعرضها للخسارة نتيجه سوء الإدارة ، وتراكمت الديون عليها للبنوك ، وتم تسريح العمالة الماهرة المدربة وخروجها معاش مبكر ، ، وحلت المنتجات القطنيه والمنسوجات المستوردة من الصين ودول شرق آسيا محل الصناعة المصرية ، وإستنزقت موارد البلاد من العملات الأجنبية
والحمد لله أن الدولة المصرية قد فطنت مؤخرا إلى أهمية هذة الصناعة الإستراتيجية ، والدولة الآن تعمل جاهدة على مد يد العون إلى تلك الشركات ومساعدتها ، وخاصة بعد أن فتحت ملف شركات الغزل والنسيج وأعطت له الأولويه ، فى محاولة جادة لـ إنقاذ تلك الصناعة من عثرتها .
ورغم ذلك تبقى البيجاما الكستور المقلمة والجلابية الكستور على صوف رمزا لدقء الشتاء وأيام الطفولة وماتحمله من ذكريات جميلة طواها الزمن ، وأصبحت ذكرى تنبض فى الذاكرة ، كلما جاء الحديث عن الماضى وذكريات الزمن الجميل .