عبد الناصر البنا يكتب : أخى .. وأبطال صنعوا النصر !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
نصر الـ 6 من أكتوبر عام 1973 كان ملحمة بكل المقاييس ولا أبالغ إن قلت أنه كان أيضا ” معجزة “بكل المقاييس ورغم كل ماقيل أو كتب أو تناولته التقارير والكتابات والأبحاث أو درس فى الأكاديميات العسكرية عن حرب أكتوبر المجيد ، يبقى لـ أكتوبر ” النصر ” حلاوته فى نفس كل مصرى وطنى شريف محب لبلده ، وفى قلب كل عربى وعربيه لأنه أعاد للعرب العزة والكرامة .

مع نسمات الـ 6 من اكتوبر لابد وأن نقول : َمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” وكما يقول المولى عز وجل : ” وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ” وقوله : إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ .. إلخ الآيات الكريمه التى تؤكد أن نصر الله قريب .

اليوم سوف أتحدث عن بطولات “الجندى ” أو المقاتل المصرى ، وأبدأ بالحديث الذى روى عن رسول الله (ص) أنه قال ” إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا ؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض ” ولماسأله أبو بكر ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال ” لأنهم وأهلهم في رباط إلى يوم القيامة” صدق رسول الله .
بيتنا كان واحدا من البيوت المصرية التى لاتخلو من إبن أو أب أو أخ كان مجندا فى الجيش ، كما لا تخلو أسرة مصرية من شهيد لها فى المعركة ،
والحقيقة أن الحديث عن شجاعة المقاتل المصرى وتضحياته يعجز القلم عن وصفها ، وعن القصص االتى تحكى بطولات وتضحيات شهداء الوطن الذين سطروا بدمائهم أسمى معانى التضحية والفداء ، والسجلات العسكرية تزخر بأسمائهم وملاحمهم البطولية وقصص استشهادهم ، وتحكى القصص والروايات عن دمائهم الذكية التى إرتوت منها ” سيناء ” أرض الفيروز .
سوف أكتب عن أخى ” نورالدين ” الجندى المقاتل البطل الذى رحل عن عالمنا منذ فترة قريبة وقد شارك فى ملحمة النصر ، كان أخى مجندا ضمن قوات الدفاع الجوى وحصل خلال فترة تجنيدة على دورات متخصصة أهلته لـ يكون قارىء شاشة رادار فى محطات الرادار B 11 ،
ومازلت أتذكر أمى وأنا إبن الـ 6 من عمرى وهى تكفكف دمعها وتنصت إلى الراديو بإصغاء وهو يذيع البيانات الخاصة بقواتنا المسلحة وعبورها الضفة الشرقية لقناة السويس . فترة الخدمة العسكرية من الفترات التى يحلو للإنسان دائما الحديث عنها ،
والحقيقة أن حكايات الحرب عندما تستمع إليها من أبطالها الحقيقيين تختلف كثيرا عما تقرأه فى الكتب أو الأعمال الدرامية ،
إستمعت إلى تلك البطولات من أخى ، وكان دوما يستعيد معى ذكريات الحرب ، ويحكى لى طريقة عمل كل نوع من أجهزة الرادار والمدى الخاص بها .
وأنه كان قارىء على شاشة الرادار فى غرفة العمليات ، ويقول : أن الطائرة عندما تدخل المجال الجوى لمصر تظهر كنقطة مضيئة على شاشة الرادار يبدأ الأول فى تمييزها إن كانت طائرة مدنية أم عسكرية وإن كانت معادية ، ثم يبدأ فى رصدها زاويه وإرتفاع ويبلغها للقيادة مباشرة ،
بل أنه كان واحدا من أمهر الرصدة ، ولاينسى أنه تمكن من رصد ” منطاد ” كانت تطلقه إسرائيل للأرصاد الجوية قبل إندلاع الحرب ، بعد أن أجمع الرصدة على أنه ظاهرة طبيعية وخاصة بعد أن تكرر إطلاقه ولكنه بمهارة ودقة إستطاع تمييزه .
من المواقف التى لاتنسى أن اللواء أحمد كمال المنصورى أو ” الطيار الشيطان ” كما أطلقت عليه إسرائيل كان ضيفا على التليفزيون بمناسبة الإحتفال بذكرى إنتصارات أكتوبر .
وإتصل بى أخى أثناء اللقاء وقال لى : أنا أشتفلت مع المنصورى أثناء الحرب ، إبقى قول له : خلى بالك يامنصورى الطيران المعادى وراك ، وبالفعل قلت له بعد إنتهاء اللقاء ، فأمسك برقبتى وقال : مين إللى قال لك كده ؟ قلت له : أخويا كان قارىء على شاشة الرادار ، قال : إنت عارف أخوك ده أنا كانت روحى فى إيده ،
وأصر على الإتصال به والحديث معه . ولا أنسى عندما أقسم للمنصورى أنه كان كل ما أسقطنا طائرة من طائرات العدو يفرح لدرجة أنه كان يقوم يحضن شاشة الرادار ويقبلها من شدة الفرح ، وهنا إمتلأت عين المنصورى بالدموع !!
ولاتفوتنى ذكريات البطل المقاتل ” عمر يس ” صديق أخى وتوأمه ، وهو يحكى لنا عن ” موقعة كبريت ” وهو أحد أبطالها والحصار الذى إستمر لمده 134 يوما بدون طعام أو شراب ، ومحاولات إسرائيل المستميتة إستعادة تلك النقطة الحصينة وظروف إستشهاد المقدم إبراهيم عبدالتواب ” قائد تلك المجموعة ” الذى كان مقربا منه وكان فى قلب كل جندى من جنود بالموقع لـ تدينه وشدة إيمانه وحبه لجنوده دون تفرقه ،
يقول فى تمام الساعه 9.50 دقيقة من صباح يوم ١٤ يناير ١٩٧٤ إستهدف المقدم إبراهيم عبدالتواب بدانه مدفع هاون عيار 81 مم وهو ممسكا بنظارة الميدان ، وفاضت روحه الطاهرة ليكون آخر شهيد فى حرب أكتوبر 1973 قبل وقف القتال وفض الإشتباك ومحادثات الكيلو 101 وتمت الصلاه عليه ودفنه فى الموقع ويبكى بحرقة وهو يتذكر اللحظة .
ويحكى لنا فكره تقطيرالمياه عندما عرض عليه زميله الأسوانى ” فتح الباب ” فكرة تقطير المياه عن تطريق تكثيف البخار التى درسوها فى المدارس الثانوية الصناعية ، وبعد تحمسهم للفكرة قاموا بتنفيذها بواسطة
“جركن حديد” تم توصيله بآخر عن طريق ماسورة حديد وقاما بملأ أحدهم بالماء المالح وكانوا يقوموا بتسخين المياه بالفلنكات الخشبية التى تبطن الساتر الترابى للنقطة الحصينة ثم يقوما برش المياه على الجسم الخارجى للجركن الثانى الذى يتجمع فيه البخار فيتكثف ويصبح ماء وبهذه الطريقة
تم التغلب على مشكلة قلة الماء ليظل الجميع على قد الحياة طوال فتره الحصار . ويقول : كانت الصعوبة فى التحايل على الحصار المحكم من أجل الحصول على الماء المالح . ويضحك وهو يقول أن إسرائيل كانت تعتقد بأن القوات المحاصره فى كبريت تمتلك أحدث الأجهزه لتقطير المياه .
الحقيقة .. أن ذكريات أخى ” نورالدين ” و ” عمر يس ” أمد الله فى عمره وأصدقائهم عن الحرب وسنوات خدمتهم فى القوات المسلحة المصرية لم تنته ، وهنا لابد أن أأكد على دور ” الجندى ” المصرى المقاتل البطل
الذى لايستطيع أن ينكره أحد ، وهو لايقل أهمية عن دور ” القائد ” فى المعركة ،
وأكد أنه يجب على الدولة أن تنقب عن هؤلاء الأبطال لتكرمهم ، وتعالج المريص ، وتساعد المحتاج منهم ، عرفانا وتقديرا لـ التضحيات التى قدموها من أجل وطنهم ، حتى لا يغفل أحد دور هؤلاء الأبطال الحقيقيين ” وقود ” المعركة
كانوا رجالا وأبطالا رغم حداثه سنهم وكانوا إمتدادا لـ ابناء القوات المسلحة والشرطة المصرية البواسل الذين يخوضون اليوم معركة شرسة ضد قوى الشر والظلام من الجماعات الإرهابية الضالة فى سيناء الحبيبة وكافة ربوع الوطن ، ويقدموا أرواحهم الطاره فداءا لوطنهم .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.