بعد 30 شهرا من تحقيقات لجنة وطنية فرنسية .. فضيحة تهز الكنيسة الكاثوليكية!

– جان مارك سوفيه يؤكد إدانة 3200 قس وكاهن وراهب بالاعتداء الجنسي علي الأطفال منذ 1950

– الكنائس الأمريكية تسدد أكثر من 2 مليار دولار تعويضات للضحايا وتقارير الاعتداءات الجنسية في أيرلندا تهز رجال الدين

تقرير يكتبه :

عبدالخالق صبحي

تظل ظاهرة الاعتداءات الجنسية علي الأطفال في الكنائس الكاثوليكية عصية علي التفسير أو التبرير من جانب رجال الدين
المسيحيين خاصة أنها تحدث منذ عقود في مؤسسات دينية يفترض أن الدور المنتظر منها هو حماية القيم الرفيعة والأخلاق
القويمة، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات في المجتمع الدولي، وتتكرر فضائح الكنائس و الأديرة الكاثوليكية من وقت لآخر رغم
حرص السلطات علي التعتيم علي أخبارها وعلي عدم وصولها إلي ساحات القضاء ووسائل الإعلام.
ومع كل هذا تتوالي الفضائح كل فترة لتنكأ جرحا عميقا لدي ضحايا هذه الاعتداءات وتثير قضية شائكة تحدث حالة من الغضب والألم
في كل الأوساط المعنية بالدين والسياسة والأدب والأخلاق.
آخر هذه الفضائح تفجرت في فرنسا حيث صرح رئيس اللجنة الوطنية الفرنسية التي تحقق في الاعتداءات الجنسية على الأطفال
في الكنيسة جان مارك سوفيه لوكالة فرانس برس أنه كان هناك “بين 2900 و3200 من مرتكبي جرائم جنسية ضد الأطفال” من
كهنة ورجال دين آخرين في الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا منذ 1950.
وقال سوفيه إن “هذا هو الحد الأدنى من التقديرات” التي تستند إلى إحصاء وفحص وثائق (الكنيسة والقضاء والشرطة القضائية
والصحافة) والشهادات التي تلقتها هذه اللجنة، وهؤلاء جزء من العدد الإجمالي لرجال الدين الذي يبلغ 115 ألفا خلال مدة السبعين
عاما.
وبعد عامين ونصف العام من العمل، تنشر اللجنة المستقلة المعنية بالاعتداءات الجنسية في الكنيسة نتائج دراساتها الثلاثاء، في
تقرير يقع في “2500 صفحة” بما في ذلك الملاحق المرتبطة به.
وسيتضمن التقرير عرضا لحجم الظاهرة وعدد الضحايا، وسيقارن بين انتشار العنف الجنسي في الكنيسة بالعنف في المؤسسات
الأخرى (الجمعيات الرياضية والمدارس وغيرها) وفي دائرة الأسرة.
كما ستقوم اللجنة بتقييم “الآليات ولا سيما المؤسساتية والثقافية” التي قد تكون شجعت على هذا النوع من الجرائم وستقدم 45
اقتراحا.
وكما يبدو من الحجم الكبير للاعتداءات الجنسية المسجلة والموثقة بحق الرهبان والكهنة وغيرهم من رجال الدين هو وفقا لرئيس
اللجنة الوطنية الفرنسية فإن الظاهرة تثير قلق السلطات الفرنسية.
وتجدر الإشارة إلي أن حالات الاعتداء الجنسي في الكنائس الكاثوليكية هي سلسلة من الدعاوى القضائية، والملاحقات الجنائية
والفضائح المتصلة بها التي ارتكبها كهنة كاثوليك وأعضاء في النظام الديني من الرهبان، وكلاهما تحت السيطرة الأبرشية، وهي
تتعارض تماما مع الأوامر الصادرة لهذه المؤسسات برعاية المرضى أو تعليم الأطفال، وقد بدأ اهتمام الرأي العام بهذا الموضوع وعلى
نطاق واسع في العقدين الأخيرين من القرن العشرين.
وعلى الرغم من الوعي الذي انتشر على نطاق واسع بهذه التجاوزات، كانت أول الدول المهتمة بهذه الانتهاكات الخطيرة كندا
وأيرلندا والولايات المتحدة، فيما ظهرت حالات أخرى تم الإبلاغ عنها بلدًا بعد آخر وحصلت الانتهاكات حتى في قارات مختلفة وفي
بلدان عديدة.
ووفقا لموسوعة ويكيبيديا الحرة فقد تم التستر علي رجال الدين المتهمين بارتكاب هذه التجاوزات الأخلاقية وتم نقل الكثير منهم
إلى أماكن أخرى بهدف التغطية على الفضائح وضمان عدم وصولها للسلطات القضائية وبالتالي للإعلام، ما يعني تركهم على اتصال
مع الأطفال وإتاحة الفرصة لهم لمواصلة اعتداءاتهم الجنسية على هؤلاء الأطفال!
وفي هذا السياق ألقي البابا فرنسيس خطابًا في الجامعة البابوية الكاثوليكية في تشيلي في العام 2018 بالتزامن مع واحدة من
أسوأ حالات الاعتداء الجنسي الكاثوليكي المسجلة على مستوى العالم وقعت هناك، بما في ذلك قضية فرناندو كاراديما، مما أدى
إلى العديد من الإدانات والاستقالات.
وعلى الرغم من أن الفضائح الجنسية والاعتداءات على الأطفال والقصر حدثت في كثير من الكنائس لكن وقعها كان الأكبر على
الكنيسة الكاثوليكية فقد كانت الأكثر تضررا من الفضائح التي تنطوي على البالغين من العاملين فيها.
ففي الولايات المتحدة، دفعت الكنائس أكثر من 2 مليار دولار على سبيل تعويض مادي للضحايا، وفي أيرلندا فقد هزت تقارير حول
الاعتداءات الجنسية رجال الدين الكاثوليك في أعلى قمة التسلسل الهرمي والدولة على حد سواء مما أدى لاحقا إلى استقالة
الحكومة، كما كشفت دراسة حكومية استمرت تسع سنوات في 2019 أن عمليات ضرب وإهانة الأطفال من قبل الراهبات
والقساوسة أو الكهنة كانت حالة عامة في المؤسسات التي كانت ترعى ما يصل إلى 30000 طفل. وكشف التحقيق أن القساوسة
الكاثوليك والراهبات وعلى مدى عقود قاموا ب “ترويع الآلاف من الفتيان والفتيات، في حين أن مفتشي الحكومة فشلوا في وقف
مثل هذه الانتهاكات”!
يذكر أن الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل فضائح الاعتداءات الجنسية على الأطفال في الكنائس بدأت في أيرلندا والولايات المتحدة
الأمريكية، إضافة إلى كثير من البلدان التي شهدت حالات اعتداءات جنسية كثيرة مماثلة أيضا كشف الكثير منها في أستراليا
ونيوزيلندا وكندا، وبلدان في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا. وفي عام 2001، برزت قضايا رئيسية في الولايات المتحدة وأيرلندا أيضا،
والتي تزعم أن بعض الكهنة قد اعتدى جنسيا على أطفال قصر وأن رؤساءهم قد تآمروا لإخفاء جرائمهم خوفا من الفضيحة التي قد
تمس الكنائس والتحريض على خلاف ذلك من سوء السلوك الإجرامي.
وفي عام 2004، سجل تقرير جون جاي 4392 قس وكاهن وشماس أمريكي وجهت لهم اتهامات بممارسة الاعتداءات الجنسية.
وفي الولايات المتحدة أيضا استهدفت معظم الاعتداءات الجنسية فتيان تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما، بينما في أيرلندا كانت
الاعتداءات تنقسم إلى نوعين اعتداءات الإيذاء البدني واعتداءات الإيذاء الجنسي.
وفي محاولة لتقليل وقع الصدمة التي تلقاها العالم عن الكنيسة الكاثوليكية صدر بيان عن الكرسي الرسولي  قرأه رئيس الأساقفة
سيلفانو توماسي في سبتمبر 2009، جاء فيه “نحن نعلم الآن أنه في السنوات الـ 50 الماضية في مكان ما بين 1.5 ٪ و5 ٪ من
رجال الدين الكاثوليك شاركوا في حالات الاعتداء الجنسي، مضيفا أن هذا الرقم مماثل بالمقارنة مع الجماعات والطوائف الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، بينما أشارت مجلة ذا إيكونومست إلى أن 45 من القساوسة والكهنة من مجموع 850 في مالطا وجهت لهم
اتهامات بالاعتداءات الجنسية ووصفت المشكلة على أنها مشكلة “واسعة النطاق على نحو مخيف”.
ومن النتائج المفزعة التي كشف عنها تقرير استقصائي أجراه فريق مكلف من جانب
المؤتمر الأمريكي للأساقفة الكاثوليك عام 2004 أن 10667 شخص في الولايات المتحدة أكدوا أنهم ضحايا لاعتداءات جنسية ووجهوا
اتهاماتهم لأكثر من 4300 قس وكاهن وشماس ما يمثل حوالي 4 ٪ من المجموع الكلي للكهنة وعددهم 109694 الذين عملوا خلال
الفترة الزمنية التي شملتها الدراسة!
وفي 1000 حالة أخرى كانت غير مدعمة بالأدلة ولم تثبت وجهت اتهامات مماثلة ضد 824 من الكهنة أو القساوسة، بينما لم يتم
التحقيق في الحالات المتبقية وعددها 3300 حالة لوفاة الكهنة والقساوسة المتهمين بارتكابها.
وتأكدت الاتهامات علي 1671 من الكهنة والقساوسة بينما لم يتم إثبات الاتهامات علي345 متهما آخر، وقد أدت هذه التقارير إلى
تحقيقات، ووجهت اتهامات جنائية لـ384 وأدين 252 منهم وحوالي 100 على الأقل من هؤلاء قضي فترة عقوبة في السجن. ونسبة
6 ٪ من جميع الكهنة التي ظهرت اتهامات ضدهم كانوا قد أدينوا وحوالي 2 ٪ حكم عليه بالسجن في تاريخ التقرير.
وفي أيرلندا واجه البابا بندكتوس السادس عشر موجة من الانتقادات اللاذعة بسبب اتهام للكنيسة بأنها تسترت على الاعتداءات
خوفا من الفضيحة وذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مصادر ووثائق حصلوا عليها من الكنيسة أن أحد القساوسة قام بالاعتداء
الجنسي على حوالي 200 من الأطفال المصابين بمرض الصمم. وقد قامت قبل مدة من هذا الزمن جماعات الدفاع عن ضحايا هذه
الاعتداءات بتوجيه انتقادات أيضا لرسالة البابا التي قدمها للضحايا بالاعتذار عن هذه الاعتداءات الجنسية. وقد أشار البابا في هذه
الرسالة إلى عقود من الزمان من الاعتداءات الجنسية التي قام بها رجال دين وقساوسة في أيرلندا ودول أخرى، ومن الجدير بالذكر
أنها أول رسالة علنية من نوعها يرسلها البابا و قد تضمنت اعتذار البابا وقد قال فيها بالنص: “لقد عانيتم كثيرا وأنا آسف حقا”
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.