د. صبرى الغياتى يكتب: أثر القرآن فى النفس
لا شك في أن للقرآن الكريم أسرارا عجيبة، فله تأثير على النفس البشرية لا يستطيع أحد أن ينكره،
وكأنما يناجي في النفس أسرارا لا تعلمها أو يخاطب فيها أحاسيس لا تدركها،
ولكنها فقط تشعر بجمال القرآن وتستريح عند سماعه وتستروح لصوت القارئ وكأنه حاد يحدوها إلى مجهول لا تعرفه ولكنها تحبه،
وكأنما فطرت النفس البشرية على هذا القرآن أو سبق لها لقاء به قبل ذلك في هذه الحياة
أو ما قبل هذه الحياة،
وأحسب أن ذلك كان في عالم الذر، يوم أن جمعنا الله من صلب آدم – عليه السلام – ونحن أشباه الذر
وأخذ علينا العهد والميثاق: ( ألست بربكم ….) وشهدنا له سبحانه بالربوبية والوحدانية.
حياة ملؤها الطهر والنقاء
أحسب أننا ونحن هناك في الملأ الأعلى عشنا حياة ملؤها الطهر والنقاء، كنا نسمع فيها القرآن الكريم بأصوات ملائكية رائعة،
وأننا بمجرد أن نسمع وننصت للقرآن الكريم وهو يتلى إنما نستعيد شيئا من رجع هذا الجمال،
ونشعر بأننا في عالم آخر يأخذنا بجماله وروعته من واقعنا بكل معاناته إلى واقع قرآني نشعر فيه براحة نفسية غامرة،
وأحسب أن ذلك هو سر من أسرار قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف (204).
وكأن القرآن الكريم ينادي فينا أشياء لا نعرفها
ولم يطلب القرآن الكريم من المتلقي مجرد السماع وإنما هو الإنصات، أي سماع القرآن والإنصات إليه بكل ذرة فينا،
وهنا يقع التأثير ونحي هذا الواقع القرآني، وكأن القرآن الكريم ينادي فينا أشياء لا نعرفها ويناجي فينا أسرارا لا ندركها
فتتجاوب النفس مع تلك الأسرار وتنسجم مع القرآن الكريم حتى ترى من خلاله رياض الجنة وتسمع تسابيح الملائكة وترنيمهم في الملأ الأعلى،
بل ربما سمعت القرآن الكريم من الحق تعالي،
كما كان يقول سيدنا جعفر الصادق ـ رضى الله عنه ـ: عجبت لمن فزع من أربع كيف لا يفزع إلى أربع:
عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله عز وجل: “حسبنا الله ونعم الوكيل”، فإني سمعت الله جل جلاله يقول بعقبها:
“فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء”. وعجبت لمن اغتمّ كيف لا يفزع إلى قوله عز وجل:
“لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها: “فاستجبنا له ونجَّيْنَاهُ من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين”.
وعجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله: “وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد”، فإني سمعت الله جل وتقدس يقول
بعقبها: “فَوَقَاهُ الله سيئات ما مكروا“. وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله تبارك وتعالى:
ما شاء الله لا قوة إلا بالله”، فإني سمعت الله عز اسمه يقول بعقبها: “إن تَرَنِ أنا أقلَّ منك مالا وولداً فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنَّتِك”.
ولكن الأمر كذلك في غير المتكلمين بالعربية،
فتراهم يصغون لسماع القرآن ويطربون لسماعه، وكلما صفت نفس العبد وكان على درجة عالية من الصفائية
كان سماعه القرآن من مصدره الأصلي.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن الكريم.