الموت هو الحقيقة الوحيدة فى هذه الحياة ، والموت ” مصيبة ” لها حرمتها وجلالها ، وحتى وقت قريب كنا نحزن فى قرانا ونغلق
الراديو والتليفزيون ” وسيلة التسلية الوحيدة ” وقتها إذا مامات قريب لنا أو جار أو عزيز
ونشارك أهله وذويه مشاعر الحزن والأسى ، بل ونقف إلى جانبهم ونواسيهم ، ونشد من أذرهم ، ونبتعد عن كل مظاهر الفرح
والسرور لـ اشهر أحيانا ، مراعاة لمشاعرهم وهذه الأخلاق التى تربت عليها مجتمعاتنا ونشأنا عليها ونحاول أن نورثها أبناءنا .
وكما أن للحياة حرمة للموت أيضا حرمته ، وشريعتنا الغراء جعلت حُرمة الميت كَحُرْمة الحيّ ، بل أن الرسول (ص) أمر بأن لا يهان
ميتا ، كما لا يهان حيّا”
وللشاعر أبي العلاء المعرّيّ قصيدة بعنوان ” تعب كلها الحياة ” وفبها يقول
” وشبيهٌ صوت النعيّ إذا قِيـس بصوت البشير في كلّ ناد
ــ أبَكَت تلكم الحمامة أم غـنّت على فِرْعِ غُصنٍها الميّاد
ــ صاحِ هذي قُبورُنا تملأ الرُحبَ فأين القبور من عهد عاد
ــ خفّف الوَطْءَ ما أظنّ أَدِيْمَ الأرض إلا من هذه الأجساد ” .
وللشاعر أحمد رامى فى رباعيات الخيام بيت يقول فيه
” فقد تســـاوى فى الثرى راحلٌ غداً وماضٍ من ألوف الســنين ” .
وفى التراث الشعبى عبر آلاف السنين ، رافقت الأشعار والأناشيد الوداعَ الأخير للميت ، لتحوّلَ لحظةَ الموت إلى حالة إبداعية توقظ
الجمالَ من قلب الفجيعة ، لتؤكد أن الاحتفاء بالموت نال حيزاً كبيراً في التراث الشعبي، عبر طقوسٍ تجلّت في مظاهرَ عدة
ربما أهمها “العَدِيد” أو إحتفاليةٌ الفقْد في مأتم النساء التى تعبرُ عن مكانة المتوفى في حياة أهله والمحيطين به .
“لا إله إلا الله .. ناصر حبيب الله” هو الهتاف الذى رددته الملايين التى حضرت فى وداع الرئيس جمال عبدالناصر إلى مثواه الأخير
جنازه عبدالناصر هى الجنازة التى شهدت العديد من المشاهد التى لن ينساها التاريخ ، وهى الجنازة التى شاهدها وحضرها
الملايين من أبناء مصر والامة العربية والعالم
وعن جنازة أم كلثوم قالت الـ نيويورك تايمز ” كما تهافت الجميع على أم كلثوم في حياتها ، ” تدفق مئات الآلاف من المصريين والعرب
كالنهر لوداعها ” . هكذا كانت مراسم الوداع ، وهكذا كان يرانا العالم .
إنما مانشاهده اليوم فى ” جنازات المشاهير ” هو شىء لايمت للشرع أو للدين لا من قريب أو بعيد
وهو شىء مسخ لايرضى عنه عاقل أو مجنون ، وأعتقد أنه إنتهاك ” صارخ ” لحرمة الموتى بل ويبعد الموت عن قدسيته وجلاله
وإلا مامعنى أن يتسابق الجميع فى سباق محموم من أجل إلتقاط صورة للميت أو أهله وذويه وهم ينتحبون ؟
حقيقى لأ أقهم ما معنى أن يحدث ذلك ، وما هو المعنى من الفوضى التى نشهدها كلما مات فنان أو شخصية مشهورة ، والمناظر
التى تؤذى العين والأذن فى كثير من الأحيان
ولماذا يتسابق الجميع من أجل حمل نعش المتوفى .. لا من أجل شىء إلا الظهور أمام عدسات المصورين؟
ولماذا التزاحم غير المبرر على أهل المتوفى وسؤالهم وأصدقاء المتوفى عن مشاعرهم ، أو تقول إيه عنه ؟
والحقيقة أننى لا أدرى ماذا يتوقع أن يقول له عن المتوفى ، وهل الموقف نفسه يستدعى مثل هذا السؤال .؟
حقيقة .. الأمر أصبح سخيفا بل ومزعجا فى أغلب الأحيان ، ناهيك عن التحرش الذى قد يحدث وخاصة إن كان العزاء لفنان مشهور .
ومن هنا أطالب أنه لابد أن يكون هناك وقفة ، وان يوضع حدا لتلك المهازل التى نراها فى جنازات المشاهير ،
أولا : مراعاة لحرمة الموتى ، ثانيا : لعدم إنتهاك حرمة الحياة الخاصة التى تصونها كل الأديان .
أن التطور الذى شهدتة مجتمعاتنا فى السنوات الأخيرة وخاصة مع تطور وسائل الإتصال وظهور الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعى
فى حياتنا ، بقدر ماكانت نعمة إلا أنها أصبحت نقمة جاءت لتقضى على ماتبقى من خصوصياتنا وعادتانا وتقاليدنا وأخلاقنا وحرمة
حياتنا الخاصة التى كفلها الدستور والقانون
ومامعنى أو مالفائدة التى يمكن أن تعود على كمشاهد أو كقريب أو صديق للمتوفى من نقل مشاهد تشييع المتوفى إلى مثواه
الأخير او سيارة الموتى أو حمل النعش .. إلخ .
يقول الله تعالى ” وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍۢ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ” صدق الله العظيم ، وأختتم بهذا