ناصر النوبي يكتب : مستقبل الأغنية المصرية ( 1 )

الشاعر ناصر النوبي
هناك قوالب أو اشكال متعددة للأغنية المصرية والعربية ، أتاح طول تاريخ الغناء بمصر أشكالا متنوعة للأغنية .. منها الطويلة ومنها القصيرة ، وقد اخذت أسماءا أخرى قديما  مثل الموال ، والطقطوقة ، والمونولوج ، والديالوج ، والأوبريت ، والصورة الغنائية ، والشعبية ، واغانى السيرة ،
ولأن الموضوع كبير يحتاج إلى بحث كبير ، ربما لا يكون المجال هنا مناسب فى هذا المقال .
عملت فى مجال الأغنية منذ عام ٢٠٠٣ وكانت ولا تزال محاولة لاستعادة الروح الأصيلة المصرية والعربية ، محاولا دراسة الرواد فى الموسيقى منذ سيد درويش الأب الروحى والمجدد الاول للموسيقي والأغنية المصرية بأشكالها المختلفة فى ظل وجود المسرح الغنائي الذى كان له الفضل
الأول فى تنوع الاشكال الغنائية
ولكى يكون الموضوع قريب من المستمع والمشاهد والقارئ لهذا المقال سوف اعرض ما هى المشكلة الآن فى صناعة الأغنية ؟ والتى تمثل
المتن او الظهر الذى يحافظ على هوية الأمم  فى ظل عصر سريع ومضطرب ومعولم قام بالقضاء على التراث الأصلى فى فترة وجيزة ، ويكفى أن أذكر لكم أن اغانى الاطفال بمصر قد انقرضت ولم يبقي منها إلا القليل
وكذلك الأغنية المصرية التى قدمها سيد درويش والقصبجى المجدد الثانى للموسيقى المصرية ، وعبد الوهاب الذى سار على نهج سيد درويش ، ثم السنباطي. والموجى وبليغ حمدى مجدد الاحساس فى الأغنية المصرية ، ثم محمد فوزى وفريد الأطرش ، والعبقرى منير مراد الذى سار على نهج عبد الوهاب فى التجديد الغربى والرحبانية الذين ساروا على نهج سيد درويش والمسرح الغنائية والسيدة العبقرية فيروز
وهناك اسماء لمعت فى عالم الموسيقي والأغنية مثل كوكب الشرق ام كلثوم ، ليلى مراد ، والعبقرية. شادية ، وصباح ، ونجاة وفايزة احمد محمد قنديل ، العزبى ، محمد رشدى ، وعفاف راضى وهانى شاكر ، ومن الجيل الأقرب ميادة الحناوى ، عزيزة جلال … وقبلهم العندليب عبد الحليم حافظ
بعد كل هولاء الأهرامات فى فن الأغنية تضيع الأغنية العاطفية أو الأغنية الطويلة التى كانت تمتاز بمقدمة موسيقية ، ومذهب وكوبلية ، ونهاية
ثم منذ الثمانينيات ظهرت الأغنية الشبابية حتى وصلنا الان إلى اغانى المهرجانات .. أنها الهاوية والسقوط المذل …ماعلينا …!!
والسؤال الآن بعد هذه المقدمة اللازمة .. لماذا اختفت الأغنية الكلاسيكية .. اقصد الأغنية التى كانت تقدمها كلا من فايزة وشادية ونجاة …. ؟
الإجابة على هذا السؤال ….يحتاج إلى ندوة كبيرة يدعى فيها أهل الصنعة ربما يذكرون لنا الأسرار التى لا يعرفها أحد
لكننى بصفتى باحث فى التراث المصرى والعالمى ،
هناك عوامل ترتبط بالعصر الذى نعيش فيه …عصر السرعة ، مع أن الرواد قاموا بعمل الأغنية القصيرة ، وفى نفس الوقت قاموا بعمل الأغنية التى تزيد عن ربع ساعة ، أو تصل إلى نصف ساعة
طبعا منذ ظهور التوزيع الموسيقي كمهنة وموزعيين ، ارتفعت تكاليف اصدار الأغنية ، مرورا بتكلفة الفديو كليب ، فأصبحت الأغنية تصل إلى ١٥٠ الف جنية ، ثم انتكست صناعة الإنتاج بعد السى ديهات ،حتى ظهور الانترنت ،
فقد أقفلت معظم استديوهات التسجيل أبوابها واختفت صناعة الكاسيت ، ثم اختفت السىديهات ثم اختفت الألبومات ، وقبلها أشرطة الكاسيت ،واكتفى المطرب بالأغنية المفردة ” السنجل “
وفى هذا الوقت كان قد تشرد العاملون فى هذه الصناعة واقفلت أستديوهات كبيرة فى ظل ظهور كيانات خليجية كان مزاجها الفديو كليب
واغانى الرقص ،واحتكار المواهب ، فكما كان هناك غزوا وهابيا صحراويا ،كان هناك هولاء المخربون الذى حولوا الأغنية الى الإبهار النسائى فى الرقص والصورة والابتذال ومخاطبة الغرائز فقط وانفجرت بلاعة الصورة المبتذلة على حساب المضمون
مع ذلك كان هناك. احمد منيب ومنير والحجار ومدحت صالح والحلو .. منهم من واصل فى ظل هذه الظروف المضطربة من انفتاح اقتصادى أبرز إلى الساحة منتجون بصمجية ، ولا انسى الفرق المستقلة التى اعتبر نفسى واحد منهم .. مع انهم يكفرون بى جميعا إلا من رحم ربي .. ويضعونى تحت بند الفن التقليدى مع انى قمت بتقديم خمس فرق مستقلة منهم ،لكنهم لم يفهموا  وذلك لضحالة الفكر والرغبة فى الشهرة والثراء، وهم يغنون معى اغنية ياجنابو ، عبث ما بعده عبث ، وهم. لا يفهمون أنها  ايام مثل قرن الخروب .. لكنها مجاعة الروح المحرومة !!
كما كانت هناك الفرق المستقلة التى تقاوم بإمكانيات محدودة  وكان لها وجود فى الشارع الموسيقى كان من الممكن أن تنجب على الاقل خمس فرق مستقلة كان يمكن أن تحدث تغيرا ،حتى اقفلوا بعد الثورة المهرجانات الفنية ، التى كانت هذه الفرق تجد فيها متنفسا لطرح إنتاجهم الغنائى ، حتى
وصلنا بعد هذا الفراغ إلى بيكا وشاكوش ، وبلية ، واغانى التكاتك ، وأصبح الشارع ميكروباصى، وبعد ذلك توكتوكى وياقلب لا تحزن ….
والسؤال المهم الآن ،، ،، لماذا تستهلك ميزانية وزارة. الثقافة كمرتبات للعاملين بهذا القطاع بينما اى فنان يجب عليه أن يشحت حتى يستطيع إنتاج اغنية أو يقوم بعمل بروفات ويدفع أجور العازفين الذين يعتبرون أنفسهم فواعلية  أو عمال تراحيل ؟
اذا دفعت لهم احبوك، واذا لم تدفع انقلبوا عليك بئس القوم الفنانين أو النحاتين، من الفعل نحت ،اىاكل عيش ، طبعا من حقه أن يأكل عيش ويرتزق ولا احد يمكن أن يلومه على ذلك ، فقد جعلت منه وزارة الثقافة بهلوان أو آلاتىى ، وهو العازف والموهوب ، وقس على ذلك.
من يدفع للشاعر الذى قضوا عليه بالضربة القاضية ، وايضا الملحن المطحون الذى احالوا عليه حياته جحيما وفلسا ؟
يكفى أن يقبض مرتباتهم من يعملون بالثقافة الذى كان دورهم الأساسى خدمة الفن والفنانين والإبداع ،فقاموا بالاستيلاء على دخل الفنان وجعلوه صعلوكا وما أكثرهم !!
لماذا فى الدول المتقدمة تقوم الدولة بدعم الفنانين بها حتى اثناء جائحة كورونا تقوم الدول بصرف ٨٠% من الدخل الذى كان يحصل عليه الفنان قبل الجائحة، ؟
لأن هذه الدول تحافظ  على هويتها ، لان الهوية مهمة جدا جدا ، ودونها يمكن أن تستيقظ صباحا فتجد احتل وطنك ، وتظل تحت الاحتلال ، ولن تجد خلال هذه الفترة من يشحذ الهمم ، ويقول ياعزيز،ياعزيز كبة تاخد المعيز !!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.