عبد الناصر البنا يكتب : مثلث ماسبيرو .. الحلم على أنقاض التليفزيون !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم فى مصر وهو يولى مسألة تطوير العشوائيات عناية خاصة ، خاصة وأن العائد من تطوير العشوائيات وإحلالها بمجتمعات حضارية جديدة لا يقتصر فقط على إعادة الصورة المشرقة لمصر ، إنما يتعدى ذلك إلى الوصول إلى علاج حقيقي للمشاكل الكامنة في العشوائيات ، وخاصة وأن المجتمعات الجديدة توفر فرصا حقيقية لقاطني تلك المناطق وتحويلهم إلى قوى إنتاجية هائلة تساهم في تقدم وإزدهار الوطن .
وإنطلافا من خطة الدولة لـ تطوير العشوائيات جاء مشروع إعادة التخطيط والتصميم العمرانى لمنطقة مثلث ماسبيرو بالقاهرة ، بدأ تنفيذ خطة التطوير فى مطلع عام 2019 ويستغرق مده 30 شهرا وبتكلفة تقدر ب 15 مليار جنيه بعد أن تم تعويض الأهالى وتوفير مساكن بديلة لهم إلى جانب البدء فى إقامة ألف وحدة سكنية للسكان من أهالى المنطقة .
وقد إعتمد رئيس مجلس الوزراء خطط التطوير والرسومات الثلاثية الأبعاد الخاصة بتطوير مثلث ماسبيرو التى تشمل ” إنشاء حى سكنى وأنشطة سياحية وترفيهية وممشى سياحى على النيل فضلا عن فنادق وبنوك ومتاحف ومبانى إدارية ومساحات خضراء وجراجات وأماكن لإنتظار السيارات ومسارات مشاة .. إلخ ” .

الهدف من هذا المشروع هو جذب السياحة والنهوض بقلب القاهرة الجديد وإمداده بالمرافق والخدمات من أجل أن تتكامل منطقة ماسبيرو فى ثوبها الجديد مع القاهرة الخديوية وهى القلب التاريخى العريق

ودعونا نتفق أن الدولة المصرية نجحت نجاح غير مسبوق فى مسألة القضاء على العشوائيات والأماكن غير الآمنة وأقامت مجتمعات سكنية متكاملة الخدمات لـ توفير حياة آمنة ومستقرة لقاطنيها فى إطار خطة الدولة التى تسعى إلى إزالة جميع المناطق العشوائية ، مما يستدعى إقامة الآلاف من الوحدات السكنية التى تتكلف المليارات من الجنيهات .
والمتأمل لمنطقة ” مثلث ماسبيرو ” يجد أنها كانت تعج بالعشوائية التى تشوه وجه العاصمة الحضارى على الرغم من أنها منطقة من أرقى وأغلى سعرا للمتر فى القاهرة ، وعلى الرغم من ذلك منطقة مثلث ماسبيرو أو بولاق أبو العلا تحديدا هى من المناطق ذات الكثافات المرورية العالية ومنطقة تكدس سكانى وهنا يثور السؤال : إذا كانت هذه المنطقة كذلك أين يذهب قاطنى ناطحات السحاب المزمع إنشاءها وخاصة وأن المنطقة محصورة بين ثلاثة مخارج فقط ” شارع كورنيش النيل ـ شارع رمسيس ـ شارع 26 يوليو ” وهل سوف تتحمل المرافق والبنية التحتية هذا العبء ؟
من ناحية ثانية من الذى أجرم فى حق ماسبيرو تليفزيون الدولة وذاكرة الأمة والمعبر عن آمال وتطلعات الشعب المصرى وأمنها القومى وسمح بإقتطاع هذه المساحة من مبنى الإذاعة والتليفزيون التى تضم ” الحضانة ـ ومبنى الإرتكاز الأمنى ومنفذ توزيع شركة صوت القاهرة ـ وجمعية العاملين ـ وورش قطاع الإنتاج ـ ونقطة الإطفاء ـ والممرات ـ والجراج .. إلخ ” من الذى سمح بهذا ؟ وماذا سيقول عندما يقف أمام محكمة التاريخ ؟
أليست وزارة الإعلام من الوزارات السيادية التى يجب الحفاظ على ممتلكاتها مثل الدفاع والخارجية .. إلخ ؟.
ولمصلحة من هذا الصمت الرهيب على الهدم الذى يحدث لمبنى الإذاعة والتليفزيون ، وكم تبلغ حصة مصر فى مثلث ماسبيرو أليست 10% . وأين الجهات الرقابية ؟ وأين البرلمان المصرى ؟ وأين لجنة الثقافة والإعلام التى تترأسها وزيرة الأعلام السابق الدكتورة درية شرف الدين ؟
والله إن تقدم الدول يقاس بمدى حفاظها على تاريخها وآثارها وحصارتها وتراثها الإنسانى الممتد عبر الزمن ، أفبقوا يرحمكم الله . والله إن دولا كثيرة حولنا تبحث لها عن تاريخ ، ونحن تضييع التاريخ بأيدينا !!
كم يحز فى نفسى وأنا أشاهد معاول الهدم تقترب شيئا فشيئا من بوابات ماسبيرو وكأنما تقتلع أجزاءا من قلبى من ذاكرتى من وجدانى ، ولما لا وفيه كل ذكريات الطقولة والشباب ، وعلاقة عمل كتبها الله قاربت على الـ ” ربع قرن ” من الزمان قضيتها بين جنبات هذا المبنى العريق الذى يعد أقدم التلفزيونات الحكومية في الشرق الأوسط وأفريقيا ، التليفزيون المصرى الذى إبتدى بناءه فى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى أغسطس سنة 1959 وتم الانتهاء من البناء فى 21 يوليو 1960 وإفتتح الإرسال فى الإحتفال بالعيد الثامن لثورة يوليو ، وكانت تكلفته وقتها 108 ألف جنيه مصرى على مساحة حوالي 12 الف متر مربع .
أليست هذه الأرض هى ملكا لـ إتحاد الإذاعة والتليفزيون وهو ملك ” الدولة ” ؟ وإن لم تكن ملكا للدولة أليس هناك قضاءا عادلا يقول كلمتة ويفصل فى ملكيتها قبل أن تسلم تسليم الأهالى ؟ أليست المنشآت المقامة على هذه الأرض تتجاوز الـ 25 عاما حيازة هادئة غير متنازع عليها وهى مدة كافية لـ ” إكتساب ” الملكية بالتقادم كما ينص القانون الذى درسناه فى كليات الحقوق .
حكمة قالها الكوبى ” تشى جيفارا ” عندما تشعر أنك على وجه الإستسلام فكر فى أولئك الذين يتمنون رؤيتك ” فاشل ” والله لن نفشل أبدا بإذن الله . وسوف يظل التليفزيون المصرى قلعة للعلم والمعرفة مهما جار عليه الزمن ، ماسبيرو يمرض ولكنه لن يموت أبدا . طالما أن مصر هي المحرابُ والجنةُ الكبرى كما قال عنها الدكتور إبراهيم ناجى فى قصيدة ” أَجلْ إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا “
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.