الحياة الكريمة الطيبة بمعناها الحرفى حلم يراود العقل البشرى منذ شروق شمس الانسانية , وتعددت صور انتاج العقل لتطلعاته لهذه الحياة بتغير الازمنة وتنوع الامكنة الا انه كان التشابه فى ملامح هذه الحياة هو القاسم المشترك بين طموحات العقل الجمعى للإنسانية, وتلخصت تلك الملامح المتشابهة فى وجود حياة انسانية كريمة تتحقق فيها العدالة والرحمة معا , والتكافل والتميز سواء بسواء بما لا يفرط فى تميز المبدع ولا يجور على مبدأ مساعدة الغير, واتاحة الفرص فى الحلم, وحرية التعبد والتفكير والتعبير, واحترام خصوصية الأخر, وقبول هذا الاخر, والايمان بالاختلاف قدر الاعتقاد بالاتفاق, وتعادل الحقوق للجميع, وربما كانت الادبيات الكلاسيكية التى سطرت تلك الملامح المنشودة بدءا من جمهورية افلاطون مرورا باليوتوبيا لتوماس مور وعروجا على اسهامات العقل الشرقى كما فى ام القرى لعبد الرحمن الكواكبى ورسالة الغفران لأبى العلاء المعرى والمدينة الفاضلة للفارابى, وحديثا لسلامة موسى كانت احلام الفلاسفة , وجمهورية فرحات ليوسف ادريس , ويقول اللغويون بان الطوباوية او الطوبى هى من الجمع النادر لمفردة “طيب” فكان الهدف الجلى لإعمال العقل على مدار تاريخه منذ نشأته ومرورا بتطوره وارتقائه هو السعى الحسيث صوب الارتقاء بالحياة تجاه ممارسات تتحقق فيها الانسانية, وفى هذا المنحى سالت دماء الملايين من البشر خلال ثوراتها القديمة والحديثة ضد الهمجية والرجعية ودعاوى الردة الانسانية تجاه قانون الغاب والبدائية الجاهلة, فكانت ثورات المصريين القدماء ضد الطغاة تارة وفى مواجهة السلطة الثيوقراطية تارة اخرى, وضد العدوان الخارجى من جانب اخر حتى تبقى الارض والروح والعقل احرار من عبودية التجبر او وساطة الكهنة او عدوان الاحتلال, ولا ادل على سلامة العقل المصر فى التاريخ الانسانى الا بالقياس الارسطى والمنطق المباشر الذى يقول بالارقام ان العقل المصرى هو الاول اسهاما فى الحضارة الانسانية نحو ارتقائها وتطورها وربما فى المؤلف الخالد لهنرى جيمس بريستيد “فجر الضمير”ما يؤيد بلا مجال لتشكك فى اسبقية المصريين لصياغة الانساق الاخلاقية للانسانية , والى ثورات الاخرين فى العصور الوسطى ضد الظلام والجهل والخرافات الى ان تحولت اوربا لعصر النهضة وما تلى ذلك من تحولات عقائدية واقتصادية وادبية وفنية وعلمية حتى نقلت اوربا من الشرق كافة صور التحضر لتقود بدورها هذه المرة الحضارة الانسانية , وتخلل ذلك ثورات العمال البلشفية 1917 ضد احتكار الاقطاع , وقبلها الثورة الفرنسية الداعية للمساواة 1789 والتى استمرت عشر سنوات حتى 1799 والثورة الكبرى فى الولايات الامريكية 1765 حتى 1783 ضد الاستعمار البريطانى وتوحيد ثلاثة عشر ولاية كانت نواة الولايات المتحدة فيما بعد, وما بين افكار هيجل وماركس شرقا الى فولتير او فرانسوا مارى اروويه او فيلسوف الثورة الفرنسية الى دعاة الرجماتية كتشارلزساندرز ووليام جيمس وجون ديوى هؤلاء من صاغوا الفكر الثورى لسكان الارض الامريكية (متعددوا القوميات والاعراق والجنسيات واللغات والاديان والبشرة), وربما كان جون لوك صاحب الشرارة الاولى للثورة الكبرى, تلك كانت ثورات تحررية وغيرها من الثورات العقائدية كثورة الاصلاح الدينى على يد مارتن لوثر كنج وثورات علمية مفصلية فى التاريخ الانسانى كالثورة الزراعية التى اسس لها المصريون لتحول فارق فى الحياة الانسانيةمن الترحل والبداوة الى التوطن والاستقرار ونتج عنها كثير من معارف العلوم الرى والتأريخ والكتابة والتدوين والعمارة والهندسة والفلك والطب والرياضيات وانتقلت الى الحضارات المجاورة , ثم الثورة الصناعية والتحول للانتاج الكمى , واخيرا ثورة المعلومات التى اسس لها توفلر, وتلك ايضا ثورات طورت من الممارسات الانسانية وكانت لها اثارها الانسانية والاجتماعية فضلا عن المناحى الابداعية من علوم وفنون واداب, تلك مساعى العقل الانسانى نحو الحياة الكريمة الطيبة, ويستوقفنى هنا ان احدا من علماء الجغرافيا السياسية ويدعى جون ماكندر تحدث فى نظريته “قلب الارض” عن انه عندما تتوافر لدى مجتمعات قلب الارض عناصر القوة تحكمت تلك المجتمعات فى الأرض شرقا وغربا , واخذ يفند آراءه نحو وجود المقومات الطبيعية من مصادر الانتاج وهى الارض او الموارد والايدى العاملة والادارة العلمية , ووجد فى المانيا ارضا حاكمة مسيطرة على اوربا وليدها من القوى البشرية والطاقات المتعددة من الموارد ما يجعلها حاكمة مسيطرة على العالم القديم (اوربا وافريقيا واسيا) والعالم الجديد (الامريكتين واستراليا وانتراتاكيا) الا انه دلل رغم وجود موارد لا حصر لها فى العالم الجديد وطاقات بشرية واعدة وابداعت علمية الا انها تبقى حواش الارض او اطرافها التى يصعب لها جغرافيا السيطرة على النواة او قلب الارض واستبعد ان تسيطر ايا من قوى الاطراف على الارض لهذه الاسباب, واعطى جون ماكندر لمنطقة الشرق الأوسط (مصطلح مستحدث على النظرية) امكانية القيام بدور المسيطر والحاكم لتوافر ذات العانصر التى تؤهل ريادة العالم وكانت مصر هى النموذج الامثل لريادة العالم , ومع استحداث اكتشاف موارد طبيعية تزيد من قوة الدولة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والغاز الطبيعى والذهب وغيرها من الاكتشافات التى تجعل من مصر دولة غنية قادرة , اضافة اتوفر العنصر البشرى الساعى والمتطلع للتطور والارتقاء دائما تشبها باجداده القدماء, ووجود طاقات ابداعية علمية وادبية وفنية فارقة ومسيطرة على المحيط الاقليمى , والاهم وهو ما لم يتحدث عنه ماكندر هو اصطفاف المجتمع خلف قيادته بحب واقتناع وليس بقهر وتجبر وهو ما يعجل من مرحلية التطور والارتقاء نحو الحياة الكريمة والمنشودة وفى القادم ان شاء الله استكمال عناصر القوة لمصر الجديدة.