كانت تتحدث بحماس شديد عن عالمها المفضل الجديد الذي تحلم الانتقال له في يوما ما, بل أنها رفضت بشدة وعنف التقليل من شأنه ووصفه ” بالكارتون ” قالت بل هو عالم حقيقي لكنه مختلف أنه عالم” الأنمي ” مدينة رائعة بكل مبانيها حتي لو كانت خياليه ومجسدة في أفلام رسوم متحركة مقسمة إلي أجزاء تتخطى حلقات الجزء الواحد رقم مكون من ثلاث أو اربع أرقام متجاورة وربما أكثر,
لم يتوقف الأمر علي عناصر التسلية والإبهار والتشويق وفرض ثقافة مختلفة في العلاقات والمفاهيم الحياتية, من خلال المسلسلات اليابانية التي تغزو العالم الأن, بل تخطتها إلي حد الهوس, والغريب أنها تجمع أجيال مختلفة, حتي الكبار منهم ممن تتخطي أعمارهم الثلاثون عاما, وأصبح الانتماء لعالم الأنمي شرطا لقبول الصداقات وتكوينها ليصبح لمحبين ذلك النوع من الأفلام والمسلسلات عالم مغلق لهم وحدهم لا ينفذ له سواهم وغير مسموح لمن لا يحترمه أو لا يقدره أن يصبح صديقا لهم,
عالم افتراضي مغلق يتبادلون فيه المصطلحات والأفكار وكل ما هو جديد فيه, وباتت اللغة والثقافة والسفر والحياة في اليابان هي حلم وأمل الكثيرين, بل أصبح الشاب الياباني هو فارس أحلام المراهقات والفتاة اليابانية هي حلم وأمل المراهقين.
وهذا يروي بكل بساطة قصة القوة الناعمة ذلك المصطلح الذي أخترعه أستاذ بجامعة هارفارد يدعي جوزيف ناي ليوضح كيف يمكن التأثير علي المجتمعات وتغييرها من خلال الفنون والآداب والثقافة دون حاجة للاستعمار أو استخدام العنف كنوع من أنواع الأسلحة الدبلوماسية.
وأدعي أن مصر في وقت من الأوقات كانت تمتلك هذا النوع المؤثر من الأسلحة الناعمة حين كان الكتاب والفيلم والمسلسل واللهجة المصرية هي جواز المرور لقلب العالم الخارجي.
اليابان قدمت لمصر السوشي ودار الأوبرا والحديقة اليابانية بحلوان والجامعة المصرية اليابانية ببرج العرب و في التسعينات قدمت “أوشين” أول مسلسل ياباني يعرض في مصر ضمن مشروعات الصداقة المصرية اليابانية, وكذلك فعلت مع معظم دول العالم وهذا المسلسل تحديدا خلق نوعا من التعاطف وساعد علي تبديل المشاعر المعادية لليابان بعد احتلالها الوحشي لبعض دول جنوب شرق أسيا و عرض في أكثر من 60 دوله,
أوشين تلك الفتاة البائسة المهذبة التي عاشت ويلات الحرب العالمية الثانية في رحلتها للبحث عن العمل وكسب قوت يومها حتي كونت شركة كبري لا يستهان بها.
الآن وقد غزت شركات وأستديديوهات اليابان العالم ,بمسلسلات الانيميشن, رومانسي وكوميدي ورعب ووحوش وكل ما تتخيله أصبح لدينا أجيال تتمني الانتقال بكبسة ذر من واقعه إلي هذا العالم الخيالي الذي يسمي جنة الأنمي, عالم مختلف عن قيم العمل والكفاح الذي سعي مسلسل أوشين إلي تحقيقه إلي جانب أغراض سياسية أخري, عالم الأنمي الذي وصل بلا مبالغة إلي حد الهوس ماذا يحقق من أهداف سوي أرباح خيالية لليابان وحصر المتابعين في عالم خيالي لا طائل منه سوي الأحلام وضياع الوقت والعمر.
قالت الفتاة التي لم تسافر إلي أي دولة خارج حدودها. هدفي هو السفر إلي هناك والزواج من شخص ياباني, صحيح هم ليسوا مسلمين ولا حتي مسيحيين, وأغلبهم بوذيين أو لا ينتمون لدين, لكنه مجتمع مهذب له عاداته وتقاليده الموروثة, مثل الحفاظ علي ذي مميز يعكس هويته, إلي تبادل التحية بضم اليدين والانحناء, فليس هناك ظاهرة السلام باليد أو تبادل الأحضان والقبلات في الأماكن العامة ولا تبادل السباب وكأنه سلوك عادي, لديهم ثقافة الاعتذار عن الخطأ إلي حد انتحار المسئول إذا تسبب في ضرر للغير أو لمجرد تأخر القطار بضع ثواني,
لديهم أداب تناول الطعام التي افتقدناها وكنا نراها في الأعمال الدرامية المصرية الأبيض والأسود وقت أن كان لدينا فن هادف, الزواج هناك مختلف في كل شيء الرجل له زوجة واحدة فقط, ولا شبكة مبالغ فيها ولا مهر لا يستطيع الوفاء به, ولا تفاصيل مرعبة تفسد الزواج قبل أن يبدأ, ولا أب يتباهى عبر شبكات التواصل الاجتماعي إنه تنازل عن حق أبنته في قائمة المنقولات لأنه يأتمن الزوج علي أبنته رغم أنه مشارك بنصف قيمة المنقولات أو أكثر,
في اليابان فصل للذمة المالية للزوجة, و الزوج مكلف بتجهيز منزل الزوجية بلا تعقيدات حسب قدرته. هذا يحدث في كوكب اليابان ولهذا إن لم أستطع الهجرة له في الواقع سأظل في عالم جنة الانيميشن الخيالي. فهل يستشعر أحدكم خطر ما وصل له الحال البعض من أبنائنا.