” عودة الابتسامة ” قصة قصيرة .. للأديب محمد الشرقاوي

ما زال صوت زوجته يتردد في أذنيه : لا تنس أن العيد قادم بعد أيام قليلة ، لقد أعددت لك قائمة بالأشياء الضرورية ما بين ملابس للأبناء ومستلزمات للمنزل والذهاب مرتين إلى إحدى الحدائق والملاهي وخاصة تلك التي لم نذهب إليها من قبل ، أضف إلى ذلك مبلغا من المال نشتري بنصفه هدية قيمة لبنت عمتي بمناسبة حفل زفافها الذي سيوافق رابع أيام العيد ، أما النصف الآخر فسوف نعطيه لعمتي تهنئة لها بنفس المناسبة ، ولي رجاء وهو ألا تحاول أن تحذف شيئا من قائمة المشتريات .
على كورنيش النيل حيث اعتاد أمير الجلوس من حين لآخر ، تتسارع خطاه متجها لنفس المقعد الذي تحيط به الأشجار من كل ناحية فتجعل هواء الصيف رطبا والمنظر أكثر جمالا ، هنا سطرت يداه أجمل القصائد والقصص التي نشرها بعد ذلك في العديد من الصحف والمجلات الورقية والإلكترونية ، فكم كتب عن النيل وجماله وارتباطه بتلك الأرض ،
كم كتب عن الليل الساحر وعن الشمس ولونها الذهبي قبيل الغروب ، كما كتب أيضا عن مراكب التنزه التي تجوب نهر النيل بين أضواء القاهرة الساطعة ، ووصف بكلماته مشاهد الشباب الذين يتراصون على الكورنيش وعلى جوانب الكباري للاستمتاع بتلك المناظر الخلابة والخروج من ضيق المساكن وجوها الشديد الحرارة وأثناء ذلك يقومون بالتقاط الصور التذكارية بهواتفهم وهم حريصون على ظهور خلفيات بديعة ومعالم هامة مثل برج القاهرة وأسود كوبري قصر النيل والفنادق العملاقة بأضوائها الشديدة التي تحيل الليل نهارا ،
كذلك مبنى الإذاعة والتليفزيون إلى غير ذلك من المعالم المشهورة بوسط القاهرة العامرة ، بينما يمر بائعو الذرة المشوية والترمس والعصائر ليعرضوا تلك السلع على المارة والواقفين وأيضا الجالسين ، أما بائعو الورود فيتخيرون من الأشخاص كل شاب وفتاة يبدو على ملامحهما ارتباط عاطفي .
يصل أمير إلى مقعده المعتاد فيجده مشغولا فيقف له أحد الشباب داعيا إياه للجلوس فيستجيب شاكرا مبتسما ، المناظر الخلابة تداعب عينيه لكنها لم تستطع أن تمنع صوت زوجته الذي يختفي للحظات ثم يعود غازيا عقله بكل قوة ، يدنو منه رجل يبدو أنه في نهاية العقد السادس من عمره ، يلقي عليه السلام فيرد أمير مفسحا له المكان بجواره فيجلس الرجل مبديا شكره ومقدما إليه بعض حبات الترمس ، يشكره أمير دون أن يمد يده ولكنه أمام إصرار الرجل يتناول بضع حبات وهو يثني على كرمه وبشاشته .
– تعودت الحضور بمفردي إلى هذا المكان .
– لماذا يا عم ———؟
– اسمي صابر ، وبعد أن يعيد أمير الترحيب به ، يستكمل عم صابر : لقد هاجر ابني الوحيد إلى إحدى الدول الأجنبية للعمل والإقامة مع أنه ظل الأول على كلية الهندسة طوال سنوات الدراسة . يزداد انتباه أمير وتبدو على وجهه علامات التعجب لكنه يظل مستمعا لحديث عم صابر الذي يواصل كلماته : ثم توفيت زوجتي ولم يعد لي أحد . تبدو على وجه أمير علامات الندم وتأنيب النفس لما قام به من أسئلة أعادت للرجل ذكريات مؤلمة ولكن عم صابر بفطنته السريعة يقول له : الحمد لله ، لابد أن نصبر على قضاء الله حتى نستطيع مواصلة الحياة . ينشغل عم صابر بالرد على أحد المارة الذي يسأل عن شارع ما بينما يردد أمير قوله : الحمد لله ، الحمد لله ويتلاشى تماما صوت زوجته وتعود إلى وجهه ابتسامة يحاول أن يخفيها ثم يدندن بإحدى أغنيات الحب والأمل .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.