ماسبيرو يعنى تليفزيون الدولة ، وهو المبنى الأعرق فى ج.م.ع بل وفى أفريقيا والشرق الأوسط ، ويعود تاريخ هذا المبنى العريق إلى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى بداية الستينات من القرن الماضى ، فى عام 1952 تم إنشاء وزارة خاصة بشئون الاعلام والإتصال أطلق عليها ” وزارة الإرشاد القومى ” وإستمرت إلى عام 1970 ، وفى عام 1982 أصبح للأعلام وزارة مستقلة تحت مسمى ” وزارة الدوله للأعلام ” وفى عام 1986 أصبحت ” وزارة الأعلام ” .
وطوال هذا التاريخ تعاقب على حقيبة الاعلام فى مصر رجال أقل ما يقال عنهم أنهم كانوا عظماء ، رجال حملوا مشاعل العلم والحضارة والتنوير فى مشارق الأرض ومغاربها وكان للأعلام المصرى مكانته المرموقة على المستوى العربى
يأتى من بين هؤلاء ” صلاح سالم ـ وثروت عكاشه ـ ومحمد عبدالقادر حاتم ـ وأمين هويدى ـ ومحمد فايق ـ وأحمد كمال أبو المجد ـ ويوسف السباعى ـ وعبدالمنعم الصاوى ـ وصفوت الشريف .. وغيرهم مع حفظ الألقاب ، ويشاء القدر أن تكون الدكتورة درية شرف الدين آخر حبة فى هذا العقد المضىء
ثم ألغيت وزارة الإعلام فى حكومة م.إبراهيم محلب الثاتية وحل محلها ” الهيئات الإعلامية الثلاث ” ومؤخرا عادت وزارة الدولة للأعلام ولكنها أصبحت بلا وزير او صلاحيات .
الشىء المؤسف أن أعلام الدولة الذى تبوأ مكانته عن جدارة فى وجدان وقلب كل مصرى وعربى ، وشارك الوطن أفراحه وأتراحه ، إنتصاراته وإنكساراته ، وكان هو المحرك الأول لكل الأحداث التى شهدتها مصر فى تاريخها الحديث ، بدأ دوره يتراجع فى الــ 30 عاما الأخيرة ولعل القاصى والدانى يعلم أن الأعلام المصرى فى تلك المرحلة أصبح إعلاما موجها ، فهو ” بوق ” للنظام يأتمر بأوامره وينتهى بنواهيه ، وسخر الله له رجال كان لديهم من القدرة على آداء هذا الدور على الوجه الأكمل !!
وعندما قامت ثوره الــ 25 من يناير تلون الأعلام الرسمى بألوان الطيف السياسى الموجودة ، وحدث ماحدث من تغيرات وأحداث يعلمها الجميع ، وظل أعلام الدولة فى وضع ” الثبات ” فى حالة لا يمكننا أن نطلق عليها صلبة أو سائلة وإنما هى حاله فريدة من نوعها فلا هو إعلام قادر على المنافسة والقيام بدوره ، ولاهو إعلام الملك ، وإن كان قد أصبح ” ملكيا ” أكثر من الملك نفسه ، ولا الدولة تريد أن تمد يدها لإنقاذه .
فى الوقت الذى تعلم فيه الدولة تماما الداء وتحمل فى يدها الدواء ، وتعلم أن لديه من الخبرات والكفاءات التى يعتمد عليها الأعلام فى العالم العربى أجمع ، وتعلم أنه يئن تحت وطاة دين يقترب من الـ 38 مليار جنيه – وهو دين لا ناقة له فيه ولا جمل ” – من أصل لايتعدى الــ 7.8 مليار جنيه كانت مقابل خدمات حكومية وقومية لم يتم دفعها ، إلى جانب ” حصة ماسبيرو فى مدينة الإنتاج الإعلامى والنايل سات وأشياء تخص أمن مصر القومى “. وهى تعلم أنه يعانى من تضخم فى العمالة مثل العديد من قطاعات الدوله وإن كانت قد تقلصت كثيرا بسبب وقف التعيينات منذ 2011 وللأسف لم تحرك ساكنا .. لماذا ؟ الله أعلم .
والمتأمل لما وصل إليه الحال فى إعلام الدولة يحتار هل هى مؤامرة مقصودة لأفشاله وخنقه وسحب البساط من تحت أقدامه تمهيدا لإعلان وفاته على الرغم من أنه هو الذى حمى مصر فى أشد الأوقات ، وهو الذى حمل هموم الوطن ومشاكل المواطن المصرى ، وهو الذى يراعى الضمير المهنى ، ولم يراهن يوما على أن ينافس على القبح والعرى والفضائح ، وهو الذى يحرص أبناءه على تقديم رسالة إعلامية ترعى مصلحة الوطن والمواطن ، فى إعتقادى أنه اليوم يتعرض لـ ” مؤامرة كبرى ” هدفها هدم هذا الكيان القوى والنيل منه .
الحقيقة أن الدكتورة درية شرف الدين وزير الإعلام السابق ـ رئيس لجنة الثقافة والإعلام فى مجلس النواب ، حسنا فعلت عندما ألقت حجرا حرك الماء ” االآسن ” فى ماسبيرو ، وأعاده إلى دائرة الضوء مرة أخرى ، عندما حذرت من أن تليفزيون وإعلام الدولة سوف ينهار خلال عامين إذا لم يتم إنهاء مشاكله
وهى تعلم أنه بات ينتظر رصاصة الرحمة “بغعل فاعل” ، وربما يكون هذا الحجر هو ” الأمل ” الوحيد أو ” قبلة الحياة ” التى يمكن أن تعيد النبض لجسد تهاوى على موائد اللئام ، ويبدو أنه قد مات بالفعل ” إكلينيكيا ” ، ولما لا وقد إلتهمت الحفارات العملاقة التى تطور مثلث ماسبيرو أكثر من ثلثه وأصبحت على مرمى حجر من عتبات أبوابه الرئيسية
الدكتورة درية شرف الدين ، طالبت أعضاء اللجنة بمخاطبة رئيس الوزراء لحل مشاكل تليفزيون الدولة المزمنة من ” عدم صرف مكافآت نهاية الخدمة والمعاشات والعلاوات ووقف الترقيات والمكافآت وفروقات الضرائب وغيرها وحالة السخط العام الذى يعانى منه العاملون فى محتلف القطاعات بسبب تلك الأوضاع المأساوية ، التى تزداد سوءا يوما بعد يوم بما ينبىء بكارثة قادمة لا محالة . كما طالبت بإستدعاء وزيرى ” المالية والتخطيط ” من أجل إيجاد حل لـ أزمة ماسبيرو المالية ووقف فوائد الدين المتراكم لدى ” بنك الإستثمار ” وأن تدفع الوزارات مديونياتها للتليفزيون التى تقدر ب ٢ مليار و٦٠٠ مليون فى الموازنة العامة مقابل الخدمات الإعلامية .
تليفزيون الدولة سيادة الرئيس ” يئن ، يحتضر ، يتعرض لإهمال متعمد يهدف إلى إفشاله ” ، فاليوم تم التفريط فى أرضه وقد يكون ذلك تمهيدا لأن يستباح عرضه . والحقيقة أقولها صراحه بلا مواربة ، لن ينصلح حال ماسبيرو
ولاخروج من هذا المأزق الشديد والخراب القادم لامحالة إلا بتدخلكم ” فخامة الرئيس” شخصيا ، فالرئيس وحده هو الذى يمكن أن يعيد الأمور إلى نصابها ويعيد التليفزيون إلى مساره الصحيح ، فقط هى” الإرادة السياسية” التى يمكن أن تصلح ما أفسده الدهر والإهمال المتعمد لهدم ماتبقى من ماسبيرو وإلا فأغلقوه وفضوها سيره
وأختتم بالآيه الكريمه
( إنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاّ بِاللّهِ .. ) صدق الله العظيم