الأسرة شجرة مورقة

كتب عاطف محمد :
تمعن النظر ودقق التفكير ستجد أن الاسرة هى الملاذ الآمن والحضن الدافئ فى كل الأوقات وخصوصا عندما تغلق كل الطرق وتضيق الحياة وتعاندنا الظروف، تجد أننا نلجأ للأسرة فنجد سعادتنا وسلوتنا وأمننا، فنستظل بشجرة الأسرة المورقة من لهيب الحياة ، ومن ثمارها يتجدد الأمل وتقوى العزائم و تتوارى الأزمات ، وكل انسان لا يستطيع بأى حال من الأحوال أن يستغنى عن أسرته وعائلته مهما كانت الظروف .
والأسرة هى الهوية الأولى التى يعرف بها كل إنسان والتى يستمد قوته منها ، فهى مصدر فخره واعتزازه، وهى التى تمنحه هويات أخرى مثل الهوية الاجتماعية والعلمية و المهنية والفنية والرياضية إلى آخره من هويات راسخة تصبح علامة مسجلة فى السجل الإنسانى .
وعندما تظلم الدنيا وتؤول لوضعها السيئ وتنسج سحب العقبات غمماتها السوداء فوقنا ، وتهب عواصف المحن لتقتلع الأوقات السعيدة من جذورها ، وتضيع كل الفرص المتاحة ، ويصبح الإنسان فى صحراء الحياة بلا مدد ويوشك على الانهيار التام ، تسطع الشمس فيجد أن هناك أشخاصا يسارعون بالمساندة و يقومون بالحماية ويظهرون الدعم الكامل والحب العميق أنهم الأسرة الحقة إنها العائلة الحقيقية التى تظهر وقت الشدائد ، والأسرة هى الملاذ الوحيد فى هذا العالم المتقلب الذى لا قلب له ولا ضمير أحيانا .
وعندما تنظر لوجه أى شخص من أفراد أى اسرة أو أي عائلة تعرف كل ماضيها فالوجوه مرايا سحرية تكشف ما تخبئه النفوس من تاريخ .
والاسرة هى ضحكات المطر التى تروي الأرواح وتساعدها على إكمال مسيرة الحياة، والاسرة هى ذلك الوطن الآمن الذى يحميك ويساعدك ، وبدون الأسرة يعيش الإنسان فى غربة وقهر وسجن لا ينتهى ، وعندما يضحك أفراد الأسرة فى وقت واحد ولسبب واحد تسمع فى ذلك الحين أجمل الألحان وأرق النغمات واشجى الأصوات .

الإعلان العالمى

فى عام 1993 ومن خلال مقر هيئة الأمم المتحدة وبقرار «A / RES / 47/237»
صدر إعلان وجه لكل دول العالم دون تمييز باتخاذ يوم «15 مايو» من كل عام (كيوم عالمى للأسرة) ومن ثم احتفلت دول العالم بهذا اليوم وفى ذلك التاريخ، وقد كان عام الإعلان هو أول احتفال عالمى بهذه المناسبة ، وقد ظهر من خلال الاحتفال مدى التشجيع العالمى من أجل العمل الجاد والسعى الحثيث على الارتقاء بمستويات الأسر وتحسين معيشتهم فى كل ربوع العالم، والاعتراف بقيمة التغيير الذى حدث ويحدث فى البناء الاجتماعى والاقتصادي،
كما يعد الاحتفال فرصة مثالية لإلقاء الضوء على دور الأسر فى بناء المجتمعات ، مما يعنى هنا تقاسم الأعباء سواء المنزلية أو الخارجية، وكذلك تقاسم فرص العمل لضمان البناء المحكم لكل أركان المجتمع ، ثم اتبع هذا الاحتفال انعقاد مؤتمرات متعددة مثل ماعقد فى كوبنهاجن بالدنمارك وفى بكين بالصين وغيرها ، حول إطلاق مبادرات عالمية تضمن رفاهية ورقى الاسرة فى كل المجتمعات فى أنحاء العالم شرقه وغربه جنوبه وشماله، ويأتى حرص الأمم المتحدة فى اليوم الدولي للأسر ( International Day of Families)‏ على الاحتفال من خلال منبع هام ألا وهو أن الاسرة هى الكيان الأهم شأنا والأعلى مقاما و المستحق بالرعاية والتى يجب العمل على تقديم كافة وسائل الدعم والحماية والمساندة والمساعدة لها و بكل الصور المتاحة وفى كافة الظروف الممكنة والغير ممكنة ، حتى تنهض الأسر وتقوم بادوارها المنوطة بها، لتحمل على عاتقها كل المسئوليات والاعباء فيصبح جميع أفرادها منتجين كما وكيفا ، واليوم العالمي للأسرة هو يوم اعد من أجل التشارك ونشر السلام .
كوفيد والأسرة
ومع أزمة كوفيد19 المستجد أبرز موقع “Business Insider” الأمريكي رغبة هيئة الأمم المتحدة فى الاحتفال باليوم العالمى للأسر من خلال الأنشطة المتنوعة عبر الإنترنت، وذلك لدعم الأسرة وإبراز دورها المحورى فى كل مجتمع واتخاذ الإجراءات الاحترازية فى الوقت نفسه، وقد أدى انتشار وباء كورونا وتفشيه إلى تنبيه الجميع لقيمة الأسرة والعائلة وخصوصا فى الوقت الراهن، والأسرة هى الدعم والمساندة وخصوصا عندما يتم التفاف أفرادها حول بعضهم لمواجهة الأخطار وقد ظهر هذا جليا أكثر مما مضى جراء الكورونا .
الاحتفال وقيمته
ولأن الاسرة هى نواة المجتمع الأولى، لهذا يجئ الاحتفال كاعتراف عالمى لقيمة تلك اللبنة الأولى لكل مجتمع ،كما يعكس الاحتفال الاهتمام الكبير بالأسرة وقضاياها وما يتعلق بها من قوانين ونظم تكفل لها الحياة الكريمة، بالإضافة إلى توعية العالم بقيمة الأسرة وترابطها وأوضاع كل الأسر واحتياجاتهم وكل ما يدور فى فلك حياتهم من قضايا كالفقر والتوازن الاجتماعى والحياة الصحية والاقتصادية من أجل تحسين الأوضاع على كافة المناحى بشكل أفضل وذلك فى كل أرجاء الكرة الأرضية.
والاحتفال يعد بمثابة دعوة لتقدير قيمة الأسرة وحث كافة دول العالم بهيئاتها الرسمية بل وغير الرسمية على العمل المشترك الواعى المنظم والمستند إلى خطط مدروسة على رفع متكامل الجوانب لمستوى الأسر، لتصبح تلك الأسر هى الوحدة الأكثر فعالية والأقوى ديناميكية لتحريك عجلة التنمية الشاملة وتحقيق كل الأهداف المرجوة .
ويعتبر الاحتفال من أهم خطوات الدعم والتعزيز الواعى بكافة المسائل التى تدور فى فلك الأسرة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والصحية من اجل التأثير فى مسار الاسرة، وتشكيل قوامها الصحيح الذى يستطيع التأثير والانطلاق نحو كل الآفاق ، والاحتفال اعتراف واضح وعرفان كبير بدور الأسرة الجليل وخصوصا فى ظل أزمة الكورونا .
الرمز ودلالته
من خلال الرمز الذى تم تصميمه كشعار الاحتفال باليوم العالمى للأسر ، فقد صمم على شكل دائرة شديدة الاخضرار شديدة الصلابة مما يعنى العطاء القوى و المستمر و الذى لا ينقطع و الذى يدور ولا ينتهى فلا نهاية له ، كما يحتوى الرمز على صورة حمراء بها رسم تخطيطي لمنزل به قلب مما يعنى أن الاسرة قلب المجتمع النابض وأساس تكون كل المجتمعات وقد نقل الرمز فحوى الفكرة من الاحتفال العالمى بالأسرة .
الأب والأسرة
يلعب الأب الدور المحورى فى الأسرة ، يبدأ من انتساب الجميع له مما يفرض عليه ان يكون له تأثيرا يدفع الجميع للايجابيةو التى تثمر بدورها أفرادا لهم شأن فى مجتمعاتهم .
فالاب هو السند والحماية والدعم الدائم لكل الاسرة ، وهو خط الدفاع الأول عن هذا الكيان المجتمعى ، فهو الذى يرسم الاتجاهات ويضع المعايير ويحدد القيم ويخطط لمستقبل الأسرة بالمشاركة مع الأم ، وإذا كان الرجل هو رأس الأسرة فالمرأة هى الرقبة التى تدير الرأس فكلاهما مهم للاسرة ويكمل الآخر
والأب هو القدوة والنصح والمساندة وبدونه ينقص الأسرة الكثير .

الأم قوة دافعة

وهناك علاقة وطيدة بين الأسرة والأم، فالأم هى تلك القوة الدافعة التى تحقق الترابط والتكامل والتلاحم الاجتماعى ، ولهذا فهى الخطوة الأولى لتنشئة أفراد الأسرة والتى تبدأ بالطفل الذى ترعاه لينشأ النشأة الصحية والعقلية والنفسية السليمة ، مما يستدعى المزيد من الرعاية منها لذلك الأمل الجديد ، ويصل الأمر فى بعض الأماكن إلى أن تصبح الأم هى العائل الأول للأسرة وذلك لظروف ما، وأحيانا عند قيامها بهذا الدور قد تتعرض لأخطار تبدأ من الولادة ومابها من صعوبات أثناء عملية الولادة وما يصاحبها من اخطار ، مرورا بالعنف الذى قد يوجه لها مما يستوجب الآن إنهاء كل صور العنف تجاه المرأة فى كل مكان بالعالم من أجل الحفاظ على سلامة النسيج الاجتماعى بالحفاظ على الأم.
الأبناء والأسرة
يعد الأبناء هم الهدف الذى تسعى كل اسرة لتحقيقه ،ولهذا يجب على كل اسرة أن تحسن هذا النتاج وأن تقدم للمجتمع ماسات براقة من الجواهر الانسانية النافعة للمجتمع ولانفسها، وعلى الأبناء استثمار الفرصة السانحة بحسن الطاعة وحسن التعلم والتحلى بالأخلاق الكريمة والتزين بالعلم واتخاذ القدوة الصالحة وتفضيل المصلحة العامة على الخاصة والحرص على سلامة ورقى وتقدم الأوطان .
وقد تم اختيار موضوعات وأفكار واتجاهات لكل أيام الأسر فى الأعوام السابقة لكى تحقق أسباب هذا اليوم وحتى يكون للاحتفال قيمة
ويتضح ذلك من خلال الرصد الدقيق لكل الموضوعات التى حددت لليوم العالمي للأسرة في السنوات السابقة بما فيها هذا العام وهى على النحو التالى
2021: «اليوم العالمي للأسر تعليم ورفاه».
2020: «اليوم العالمي للأسرة ».
2019: «ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻧﻘﺎط اﻟﻘﻮة اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ»
2018: «الأسر والمجتمعات الشاملة».
2017: «العائلات والتعليم والرفاهية».
2016: «الأسر والحياة الصحية والمستقبل المستدام».
2015: «الرجال المسؤولون؟ المساواة بين الجنسين وحقوق الطفل في الأسر المعاصرة».
2014: «مسألة الأسر لتحقيق أهداف التنمية، السنة الدولية للأسرة + 20».
2013: «النهوض بالتكامل الاجتماعي والتضامن بين الأجيال».
2012: «ضمان التوازن بين العمل والأسرة».
2011: «مواجهة فقر الأسرة والإقصاء الاجتماعي».
2010: «تأثير الهجرة على الأسر في جميع أنحاء العالم».
2009: «الأمهات والأسر: التحديات في عالم متغير».
2008: «الآباء والأسر: المسؤوليات والتحديات».
2007: «الأسر والأشخاص ذوو الإعاقة».
2006: «تغيير الأسر: التحديات والفرص».
2005: «فيروس نقص المناعة البشرية – الإيدز ورفاه الأسرة».
2004: «الذكرى السنوية العاشرة للسنة الدولية للأسرة: إطار عمل».
2003: «الاستعدادات للاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة للسنة الدولية للأسرة في 2004».
2002: «الأسر والشيخوخة: الفرص والتحديات».
2001: «الأسر والمتطوعون: بناء التماسك الاجتماعي».
2000: «الأسر: الوكلاء والمستفيدون من التنمية».
1999: «الأسر لجميع الأعمار».
1998: «الأسر: المربون ومقدمو حقوق الإنسان».
1997: «بناء الأسر على أساس الشراكة».
1996: «الأسر: أول ضحايا الفقر والتشرد».
بالإضافة لأعوام 1993/1994/1995وكانت حول الأسرة وقيمتها.

كيفية الاحتفال

وهنا نصل للسؤال الأهم
كيف يتم الاحتفال باليوم العالمى للأسرة في ربوع العالم؟
يتم الاحتفال بطرق مختلفة ومتنوعة ففى بعض الدول والمجتمعات يتم تنظيم المعارض الاحتفالية بكافة أنواعها ، مع تنظيم الحلقات النقاشية لمناقشة الأفكار التى تخص الموضوع المختار لاحتفال العام، والبعض يقوم بتنظيم الدورات التعليمية للشباب والأطفال و المتعلقة
بالأسرة وقضاياها وأدوارها، أما على المستوى الرسمى للدول فيقوم المسؤولون بعمل الاجتماعات لمناقشة السياسات التى تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بالأسر وما يؤثر فى حياتها واتخاذ القرارات من أجلها ، أما على المستوى الفردى يميل بعض الناس إلى الاحتفال بهذا اليوم مع أسرهم وعائلاتهم فى جو من المرح والسعادة .
والأسرة هى الثبات الأكيد واليقين المؤكد، بها نعتز ولها ننتمى ، وفيها نحقق ذاتنا لنصبح بصمة خير على جبين الزمن .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.