القوة العسكرية هدفها المحافظة على السلام وليس هدفها الحرب.. تلك المقولة هي أساس فكر وعقيدة الدولة المصرية حالياً ولقد ظهر ذلك واضحاً عندما أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية أن مصر وفرنسا وقعتا عقد توريد 30 طائرة رافال متعددة المهام التي تنتجها شركة داسو افياسيون الفرنسية خاصة وأن مصر سبق لها أن تعاقدت مع فرنسا عام 2015 لشراء 24 طائرة من طراز رافال.. وبذلك يصبح إجمالي عدد الطائرات الفرنسية الرافال في مصر هو 54 طائرة وتأتي أهمية هذه الطائرات أنها من أحدث الطائرات القتالية متعددة المهام في العالم من الجيل الرابع بلس (4+) والتي تتميز بقدرة عالمية علي تنفيذ المهام بعيدة المدي حيث يصل مداها حتي 3700 كيلومتر فضلاً عن امتلاكها لمنظومة تسليح متطورة حيث تحمل العديد من الصواريخ جو-جو و جو-أرض بالإضافة الي قدرة عالمية علي المناورة وتميزها بمنظومة حرب الكترونية متطورة التي أصبحت أهم أساليب القتال الحديثة حيث أن رادار الطائرة يستطيع تعقب 40 طائرة في وقت واحد والاشتباك مع 8 طائرات دفعة واحدة كذلك يمكنه اكتشاف الطائرات التي تحلق تحت الطائرة وتحمل نظام للبحث الحراري لتتبع الأهداف..
وهنا يبرز التساؤل عن حاجة مصر حالياً لهذه الطائرات واعتقد أن الرد واضح ومفهوم حيث أن مصر ولأول مرة في تاريخها الحديث تجد أن اتجاهاتها الاستراتيجية الأربعة مهددة في وقت واحد، حيث هناك الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي أو ما يطلق عليه “بوابة مصر الشرقية” من ناحية سيناء والتي كانت مدخل الغزوات لمصر عبر التاريخ منذ عهد الفراعنة عندما قام الهكسوس بمهاجمة مصر وجاءت بعدها معظم الغزوات تجاه مصر من هذا الاتجاه الحروب الصليبية والتتار والمغول حتى العدوان الإسرائيلي في 56 وعام 67 كلهم من اتجاه سيناء.. ثم هناك الاتجاه الاستراتيجي الغربي من اتجاه ليبيا التي أصبح يمثل تهديداً لأمن مصر القومي بعد رحيل القذافي ووصول عناصر داعش الي ليبيا والآن وجود القوات الأجنبية والمرتزقة هناك على الأرض الليبية.
وهناك المحور الاستراتيجي الجنوبي في اتجاه السودان وحوض نهر النيل وأصبحت مصدر تهديد لمياه النيل في مصر علاوة على ضرورة تأمين مضيق باب المندب والملاحة البحرية في البحر الأحمر لتأمين قناة السويس التي تمثل ثلث الدخل القومي لمصر.. وأخيراً الاتجاه الاستراتيجي الشمالي في اتجاه البحر الأبيض المتوسط والذي زادت أهميته بعد اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط وأصبح هناك حاجة لمصر أن تؤمن استثماراتها في شرق المتوسط.
من هذا المنطلق كان قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي فور توليه المسؤلية ضرورة دعم القوات المسلحة المصرية لتكون قادرة علي تأمين الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة وتأمين استثماراتها في كل الاتجاهات ولقد كان قرار الرئيس أيضاً في تنويع مصادر السلاح عظيماً وهو قرار انتظره رجال القوات المسلحة منذ فترة طويلة حيث كانت مصر تعتمد خلال الفترة الماضية علي تسليحها الرئيسي من الولايات المتحدة الأمريكية لكن مصر الآن بدأت بشراء طائرات الرافال وحاملات المروحيات الميسترال من فرنسا ثم أحدث 4 غواصات من المانيا ثم الفرقاطات البحرية المتطورة من إيطاليا وطائرات الميج الحديثة من روسيا وغيرهم من الدول وبذلك أصبحت مصر لأول مرة ليست تحت رحمة دولة معينة في توريد السلاح والذخيرة وقطع الغيار.
وتأتي أهمية أن تكون لمصر قوة عسكرية قادرة علي تأمين وتحقيق أمنها القومي هو بناءً علي نظرية الردع Deterrence التي لها شقين.. الأول وهو الردع المادي وهو ما نفذته مصر منذ عدة سنوات عندما قامت عناصر إرهابية في ليبيا بقتل 20 مصرياً هناك وفي نفس الليلة صدرت أوامر القيادة العامة بتنفيذ عملية عسكرية للقضاء علي تلك العناصر الإرهابية التي قتلت المصريين هناك وبنجاح هذه القوات في تنفيذ مهامها لم نسمع بعد ذلك أن تعرض أي مصري هناك في ليبيا لأي اعتداء وهذا ما نسميه الردع المادي.
أما النوع الثاني من الردع فهو الردع المعنوي وهذا يعني أن تمتلك مصر القوة العسكرية التي تجبر الآخرين الي التفكير مرات ومرات قبل التعرض للأمن القومي المصري وهذا ما تفعله مصر حالياً من زيادة قدرتها القتالية لتأمين حدودها واستثماراتها وإجبار الآخرين علي عدم التعرض لحدودها وأمنها القومي وليس شراء هذه الأسلحة للدخول في حرب مع الآخرين.. تلك هي فلسفة القيادة المصرية الحكيمة ولعل أبسط مثال علي ذلك هو استيلاء إسرائيل علي المربع رقم “9” داخل المياه الإقليمية اللبنانية حيث تستخرج منه الغاز الطبيعي وتصدره ولبنان وقفت عاجزة لأنها لا تملك أي قوة عسكرية للردع سواء معنوياً أو مادياً وتلجأ هذا الأسبوع للمفاوضات مع إسرائيل في بلده الناقورة تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة لاسترجاع الأرض التي فقدت منها..
ولقد جاء اختيار القيادة العسكرية المصرية الطائرة الرافال نظراً لكفاءتها القتالية كما أن وجود 24 طائرة من قبل يعطي الفرصة للطيارين الجدد للاستفادة من خبرة من سبقوهم من أطقم الطائرات السابقة وخاصة في مجال أعمال الصيانة والتدريب حتي تصل الي مستوي تخزين قطع الغيار لهذه الطائرات لذلك أقول في النهاية أن هذه الصفقة الجديدة تحقق لمصر حماية وتأمين اتجاهاتها الاستراتيجية الأربعة كذلك تامين استثماراتها الجديدة في البحر المتوسط وخطوط الملاحة في البحر الأحمر وأن الشعور بالأمان لهذا الشعب داخل بلده كذلك سوف يشجع المستثمرين علي استمرار عملهم في مصر كبلد آمنة ومستقرة.. وأكرر ما قلته في البداية أن شعار مصر دائماً أن القوة العسكرية هدفها المحافظة علي السلام وليس هدفها الحرب.