اليوم يبدأ ليس كبقية الايام كما اعتادت بداياتها مع بكور الفجر, تدق ابواب النهار نسمات آتية من ناحية الغرب , ليست بدافئة او لطيفة بل هى حبلى برسائل مضطربة, ترى هل يستمر المخاض طويلا؟!, ويزيد التنهيدات لهيبا منبعثا من باطن بركان مكبوت الى حين!, والمقل التى ترنو ناحية الغرب تنتظر هى الاخرى, ومتى سينكشف طلسم تلك الريح؟! لكنه الغرب الذى اعتاد المصريون ان يحفظوا فى خلاياه احبابهم منذ القدم, وخلايا القلب لهذه الأم تخبىء احاسيس لا تعلمها سوى الامهات, ولا تنكرها سوى الامهات – ايضا- لكنها تفعل ما اعتادت عليه دائما عندما تتكالب عليها الأخبار التى تتوه منها العناوين , هى تلجاء مستندة على كعبة ربها وكما اهل البحر الاحمر احباب القطب ابو الحسن الشاذلى يصعدون التلال والريتقون الهضاب ويتسلقون الجبال ليروا البيت منهم من يتخذه قبلة دعاء ومنهم من يستند عليه يلقى عنده بالهم مؤمنا بزواله, وبعد ان اتكأت الام على البيت وزارها اليقين واستقر مقامه بقلبها, اتخذت من البيت قبلة ورفعت كفيها بالإبتهال لرب وعد بجوار هؤلاء وما اعظمه جوار لهؤلاء الذين نحبهم ولا نستيطع ان نكمل الدعاء جهرا لهم عندما يحدثنا صوت ما فى الاعماق بقضاء الله, هى الام ولت وجهها شطر البيت شرق مصر على حافة الشاطىء الغربى من بحر الأخدود العظيم وهناك فى اقصى غرب الوطن يسجد وليدها معها فى آن واحد, يسجد ليقترب وليرتقى منازل العلا وطرائق الخلود, هى تعلم بصدق الوعد, لكنه الفراق ولكنه القلب الهائج الحيران بين تلاطم البعاد ويقين الوعد, وتنهى الام ابتهالها وووليدها من ورائها عريسا تزفه السماء, تتورد سحائب السماوات ابتهاجا ثم تصفو سريعا فى بشارات لها وحدها حتى يطمأن قلبها, ويأتى البشير فى صبيحة الثامن من اغسطس الدافىء تسبقه زغايد السماء تلطف من طرقه على باب القلب والبيت, ويزف للام خبر استشهاد وليدها ساجدا فى اقصى غرب الوطن مستقبلا البيت مؤتما بأمه التى كانت هى الاخرى فى صلاتها عند اقصى شرق الوطن.
هى العظيمة السيدة والدة الشهيد المقدم احمد عبدالفتاح جمعه الهوارى الذى اخبر عنه زملائه : ( الشهيد الساجد ) , وتحكى هى عن وليدها :” .. مع فجر يوم الخامس من سبتمبر لعام 1983 كان ميلاد ضى عينى احمد, فى محافظة البحر الاحمر بمدينة رأس غارب وجده جمعه بك محمد أحمد حمد يحيى الهوارى عضو مجلس النواب الأسبق وعمدة قرية ابودياب غرب مركز دشنا, ووالده عبد الفتاح جمعه مدير عام الشئون الاجتماعية وورث العمودية عن والده , ويسبق احمد اخيه الاكبر محمد الذى احبه أكثر من روحه, وكنت اراهما يكبران يوما بعد يوم وعندما اشتد عود احمد وانهى الابتدائية بمدرسة المنشية الابتدائية المشتركه – سابقاً – الشهيد أحمد عبد الفتاح جمعة حالياً, وبعدها الاعدادية بمدرسة التحرير, ثم تفوق بالثانوية بمدرسة الشهيد عبد المنعم رياض, واتى الى فرحا بتفوقه بالثانوية وطالبنى بتحقيق الوعد له بالموافقة على التحاقه بأكاديمية الشرطة, وانا سيدة ولدت بمدينة رأس غارب ولم افارقها قط, وكنت اتمنى ان يظل احمد ومحمد ووالدهما معى فى هذه المدينة الدافئة والا نعانى برودة البعاد والفرقة , كنت سعيدة جدا بأسرتى الصغيرة العدد وكل طموحاتى ان ارى احفادى اكمل معهم مشوار التدريس الذى بدأته كمدرسة بإدارة الازهر حتى اصبحت وكيلة لمنطقة قنا, الا اننى لم اكن لاحتار على غير ارادة ابنى الذى اراه رجلا منذ طفولته يتحمل مسئولية اختياراته ويحسن التصرف برجولة افتخر بها , فى النهاية انتقل احمد للقاهرة بعد اجتيازه لاختبارات القبول باكاديمية الشرطة وفى غام 2005 ازدان كتف احمد بنجمة جعلت من رأسى كما رأسه فوق النجوم, وفرحت مع والده واخيه لتحقيق حلمه الذى كان ينشده صغيرا, وبدأ احمد اوليات حياته بالشرطة بعد التخرج بقطاع العمليات الخاصة بالقاهرة, وتفوق واجاد واتقن عمله حتى انتقل للعمل بقطاع الأمن المركزى بقنا والذى اطلق عليه قطاع الشهيد أحمد عبد الفتاح جمعه – حالياً – وتولى وظيقة قائد الانشاءات ثم مسئول العلاقات العامة فالعمليات وبعدها الشئون الادارية الى ان تقلد منصب قائد ثانى كتيبة الدعم (العمليات الخاصة) بالامن المركزى, وساهم فى تطوير قطاع الامن المركزى بقنا, وكان من أوائل من شاركوا فى انشاء قطاع الامن المركزى بنجع حمادى, وسعى لانشاء جمعية خاصة بضباط الأمن المركزى بقنا, و شارك فى مكافحة الارهاب فى سيناء لفترات متتالية وكان ضمن العديد من المأموريات الامنية والحملات الشرطية مع القوات المسلحة داخل سيناء, وتم تكليفه بالعديد من المهام لتمشيط ومداهمة اوكار الارهاب والخارجين على القانون بصعيد مصر, وبعد معاناة طويلة اقنعته بالزواج لانشغاله الدائم بعمله الذى كان يمنحه كل وقته واهتمامه وفى النهاية استطعت التأثير عليه ليتزوج من طبيبة ووهبهما الله (خديجة وياسين) هما قرة عينى – الان- كان زملائه وجنوده يحكون لى عنه بصفات الشجاعة والاقدام والتضحية والشهامة والبشاشة والكرم ومساعدة الناس والاصلاح بينهم ومحبوب من المجندين والضباط والقادة, مازالت ارى تاريخ الاستشهاد : 8/8/2017مع صبيحة كل يوم وانا اقلب اوراق نتيجة العام يوما بعد آخر , ومازال صدى خبر استشهاده فى سمعى الى الآن , وكثيرا ما انظر – طويلا – الى هناك الى مكان استشهاد ابنى فى منطقة جبال الكرنك مركز ابوتشت , وحكايات زملائه عن استشهاد ولدى : عندما وردت معلومات إلى الجهات الامنية بوجود خلية إرهابية متواجدة بالصحراء الغربية بين محافظة قنا بمنطقة جبال الكرنك بمركز ابوتيشت ومحافظة الوادى الجديد على مسافة ما بين 100 : 150 كيلو متر داخل الصحراء والدروب الصحراوية على ارتفاع ٥٠٠ متر من سطح الأرض تم تكليف الشهيد البطل أحمد عبد الفتاح جمعه الهوارى بتمشيط هذه المنطقة لمدة ثلاث ايام والبحث عن هذه الخلية الارهابية والتعامل معها تم العثور على الخلية وتم الاشتباك والتعامل مع الخونة الانجاس مدعى الاسلام والتدين وبعد قتله لاحد عناصرها تحت صيحات الله اكبر تهز ارجاء الوادى لتستقر رصاصة القنص والغدر والخسة في رأسة الشهيد ليسجد لله وهوه ممسك بسلاحة لا يتركه حتى يذوق الموت, ومع كلمة اتشاهد يا احمد, من احد زملائه, يبتسم بلا الم ودون خوف وكأنه يرى منزلته فى الجنة, ودمائة الذكية تنساب على سلاحة وتستمر انفاسة بالصعود والهبوط وهو ساجد وكانة يدعوا للقوات مع كل نفس بنصر الله على هؤلاء الخونة, وعقب وقف اطلاق النيران والسيطرة على الموقف تخرج روحه الطاهرة بعد ان اطمئن قلبة بالنصر, والاشتباكات التى استمرت لاكثر من ساعتين حتى تم القضاء على الخلية الارهابية التى كانت تستهدف المواطنين فى صعيد مصر وتهديد الامن العام , ويحكى لى احد زملائه : قام الشهيد بتجهيذ المدرعات بالاسلحة والموءن والمياة كعادته دائما والذى ساعدهم بالصمود والبقاء بالصحراء, وظهر ذلك عند بقاء إحدى هذه المدرعات لمدة ثلاث ايام بدون امدادات كما رواها زملائة فى العمل , الشهيد البطل المقاتل المقدم احمد عبد الفتاح جمعه الهوارى الشهيد الساجد الذى احبة وشهد له الجميع وكان عوناً وسنداً للغريب قبل القريب كان دائما ما يقول لى : لازم نضحى ونموت عشان الناس تعيش فى امان , وقبيل ذهابه لمأموريته الأخيرة تحدث الى احد زملائه متمنيا : ان شاء ربنا يكرمنى بأعلى تكريم وهى الشهادة , وفى النهاية استقر جسمان ولدى بمقابر العائلة بأبودياب غرب مسقط رأس اسرته مركز دشنا محافظة قنا”.
وقبلان تنهى الام البطلة حكاية الشهيد احمد التى تنتمى اسرته الى اصول عريقه بصعيد مصر وهى عائلة آل حمد بأبو دياب غرب المنتمية إلى قبيلة هوارة , تذكرت جملة حوارية لصديقى عبد الرحيم كمال على لسان الفنان يحى الفخرانى متحدثا ومفتخرا عن نسبه امام امير المماليك :”انا ابن هوارة اجدر عد اسمى واسم بوى وجدودى لحد ادم اما انت ماليكش من العد الا اسمك وحدك”, ما اعظم التضحية من اجل وطن يهب الخلود لابناء توارثوا حب الوطن ابا عن جد.