تقول المؤلفة الإنجليزية ارتيمس كوبرعن القاهرة أنها مدينة رومانسية وتستفيض في شرح حياة الطبقة المميزة فيها ودورها في الحرب وتصف أهمية مصر لبريطانيا العظمي أنها درة التاج البريطاني الذي كانت بريطانيا تعض عليه بالنواجز
وتشرح باستفاضة طريقة حياة هذه الطبقة خلال سنوات الحرب , وكأنه لا توجد حرب علي الإطلاق فقد كانت المحلات الكبري مثل شيكوريل وشملا والصالون الأخضر تعرض الزجاج الفاخر والأواني المنزلية والمنسوجات وأدوات التجميل.
يتحدث الكتاب عن البريطانيين في مصر وعن الملك ومدينة القاهرة في بداية الحرب والإستعداد لها, وعن الجنود والمشاكل الإدارية وآثار الحرب علي القاهرة وعن دهاليز السياسة المصرية وتعقيداتها وحصار الإنجليز لقصر عابدين في فبراير1942 ، وعن اللهو في الإدارة العليا ، وعن الجواسيس والفضائح والمشاجرات ، وعن تمرد اليونانيين عام1944، وعن اغتيال لورد موين عام1944 .
جروبي أشهر مقاهي القاهرة تفوح منه رائحة البن المحمص والحلويات الطازجة ، وفي فندق شبرد لم تنضب الأرصدة من أنواع النبيذ والمشروبات والشمبانيا الفاخرة حتي1943 وحتي في ذلك الحين لم يكن هناك أي نقص في أنواع النبيذ الواردة من الجزائر وفلسطين وجنوب إفريقيا. كان تقنين التموين قد سري مفعوله لمدة تسعة أشهر في إنجلترا, في حين أن المحلات والأسواق اليونانية بالقاهرة كانت زاخرة بأنواع الزبدة والسكر والبيض والكيروسين والخضروات والفواكه المنتجة من حقول الدلتا الخصيبة الدافئة.
كانت المدينة متسامحة وصديقة كعادتها .. لم تشهد سوي أقل القليل من التميز العرقي أو التفرقة الدينية , ولكن البنوك والمحلات الكبري في أفخر أحياء المدينة كانت تفضل الموظفين من ذوي الأصول الأوربية , في حين كانت الشابات الأوروبيات يعملن بائعات في المحلات التجارية وفي مجال السكرتارية.
كانت عائلاتهن تعيش في مستوي أفضل بكثير في مصر من المستوي الذي تعيش فيه في أوروبا ذاتها حيث الضرائب أقل بكثير والطعام موفور والخدم كثير والعمل في مدارس الإرساليات الفرنسية والإيطالية والأمريكية متاح كانت الطبقات الغنية تفضل تعليم أبنائها تعليما أجنبيافي مدارس الإرساليات الأجنبية الكاثولوكية والجامعة الأمريكية وجامعة فؤاد كان علي قمة الهرم الاجتماعي طبقة ذات صبغة أوروبية حيث المربيات الإنجليزيات والفرنسيات كفلن لأعضاء تلك الطبقة التكلم باللغتين بسهولة وطلاقة, وكان أفراد ذلك المجتمع يذهبون للدراسة في كلية فيكتوريا بالإسكندرية ومنها الي أكسفورد وكمبردج, بينما كانت بناتهم يكملن تعليمهن في سويسرا. لم يكن أفراد تلك الطبقة يتكلمن اللغة العربية إلا مع الخدم, وكانت أوقاتهم مقسمة بين الفيلات التي يملكونها في القاهرة والإسكندرية, وكانوا في الصيف يذهبون الي جنيف وباريس. كان المجتمع الارستقراطي يعاني من الترف والانحلال: كانت الأميرات الصغيرات لا يفعلن شيئا سوي الجري وراء مباهج الموضة والعصر.
ففي القاهرة كانت هذه المباهج تتمثل في التسالي وتدبير المقالب وركوب الخيل وشراء الملابس الفاخرة, إذ كن بمثابة نموذج وقدوة يحتذي بهن في مجال الموضة في المجتمع المصري, وكن دائما يغامرون مع الملك فاروق في نادي السيارات الملكي أو في نادي محمد علي الذي كان يعد أعظم وأفخر مؤسسة من نوعها في القاهرة.
كان معظم رواده من المصريين, ولكن انضم إليهم عدد كبير من ضباط الحلفاء خلال سنوات الحرب خاصة أن النادي كان يفخر بأن لديه أفضل مطاعم في المدينة خارج نطاق العائلة المالكة كانت النساء أقل بروزا. ناهد سري مثلا كان زوجها قد أصبح رئيسا للوزراء في أواخر عام1941, لم تكن ظهرت إلا بعد تعيينه في منصبه, وكان هناك عدد من المسلمين المتزوجين بنساء من أديان أخري.
كان أحمد صادق متزوجا من يهودية, وممدوح رياض باشا كان متزوجا من فرنسية اسمها ماري كافاديا التي كانت من أشهر مقيمي القاهرة, بينما كان عبود باشا وهو من أغني أغنياء مصر متزوجا من فتاة إسكتلندية من أصول متواضعة, كانت محل إعجاب البريطانيين في القاهرة بشمائلها, وكان السير أمين عثمان متزوجا من إنجليزية كانت قبل زواجها به تعمل في بار.
كانت هناك عائلات يهودية ومسيحية ويونانية بارزة وفعالة ومؤثرة في بنيان مصر عامة والقاهرة خاصة, إضافة الي ذلك كان هناك أهل الشام من ذوي التأثير في مجتمع القاهرة.
كان مجتمع القاهرة يشمل عددا من المسيحيين الشوام, من بينهم إخوان لطف الله وعائلة نمر. كان الدكتور فارس نمر مؤسس صحيفة المقطم, يقطن في المعادي. كانت كريمته متزوجة من من وولتر سمارت المستشار الشرقي البريطاني,..
بينما كانت كريمته الأخري متزوجة من جورج أنطونيوس وهو أحد أكبر منظري القومية العربية. كان جورج وحبيب لطف الله يقيمان في قصر الجزيرة( فندق ماريوت الآن) الذي أقامه الخديوي إسماعيل لكي تنزل فيه الإمبراطورة أوجيني خلال زيارتها في افتتاح قناة السويس.
أما أفراد الجالية البريطانية فكانوا مختلفين كونهم منتمين للدولة المحتلة لمصر. كان أبرز أعضائها سير توماس رسل باشا أو اللواء رسل باشا والذي كان حكمدار القاهرة والذي أدي لمصر خدمات أمنية كبيرة أهمها سحقه تجارة المخدرات وعمله في تنظيم الشرطة بوزارة الداخلية حتي اعتزاله عام1946 وكان من محبي مصر مثلما هو ثابت تاريخيا.. يضاف الي ذلك كان أعيان الجالية البريطانية يعملون جميعا في خدمة الحكومة المصرية: كان سير الكسندر كين بويد مديرا عاما للقسم الأوروبي بوزارة الداخلية المصرية, وشارك مجموعة من الباشاوات في تأسيس صناعة الصباغة في مصر, ويقال إنه كان يمرر معلومات عن وزارة الداخلية المصرية الي السفارة البريطانية. كما تولي سير روبرت جريج إدارة وزارة الخارجية وعمل مفوضا للدين العام لمدة عشر سنوات قبل تقاعده عام.1940 إضافة الي ذلك, كان معظم البريطانيين يعملون في دوائر الحكومة
الكتاب يقع في370 صفحة ونشرته مطبعة هامش هاملتون عام1989.