نعم وبكل حماس لقد وقف العالم كله على أطراف أصابعه مشدوها لذلك المشهد المبهر والفريد والذى يصعب تكراره .. إنه موكب 22 مومياء لملكات وملوك مصر فى رحلة استثنائية ولوحة تاريخية من المتحف المصرى بالتحرير إلى المتحف القومى للحضارة المصرية
إنه إعلان للدنيا بأكملها بقوة واقتدار وإصرار .. إنها مصر .. مصر الحضارة .. مصر التاريخ .. مصر الثقافة .. ومصر التى أذهلت هذا الكون بأكمله تتغنى وهى تؤكد تعالى يا دنيا وشوفى ..
حيث قامت 400 قناة تليفزيونية محلية وأجنبية على الهواء مباشرة تتسابق للفوز بعظمة مصر .. كانت العربات التى حملت المومياوات عظيمة التصميم والتنفيذ بنقوشها المتفردة وكانت الإضاءة لها دور مؤثر جداًَ وقد تم تطوير الأرضية والمبانى المطلة على المسار بل وأيضاً واجهات المحلات التجارية وترميم الخشب المتهالك والأجزاء المعدنية وتم تغيير التالف منها ..
وقد شاركت كلية التربية الرياضية بأبنائها لما يتميزون به من لياقة بدنية عالية وتناسق فى القوام . كما شارك موكب للأطفال فى لفتة رائعة وجذابة وقد ذكرتنى طلقات المدفعية الواحد وعشرون طلقة .. فى استقبال المومياوات الملكية وبحضور السيد رئيس الجمهورية .. عندما تم نقل مومياء رمسيس الثانى إلى باريس فى أواخر السبعينات .. واستقبله رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك ” جيسكار ديستان ” . وتم اطلاق إحدى وعشرون طلقة تحية للملك العظيم ..
وتم الكشف على الملك المصرى فى ” Musee de l’homme ” متحف الإنسان ولم يصل علماء فرنسا إلى سر التحنيط . وكنا نعيش فى ذلك الوقت فى العاصمة الفرنسية ونتابع ذلك العشق للتراث المصرى .
وإذا كان الفرنسيون معروفون بالهوس الشديد تجاه التاريخ المصرى القديم حيث أنهم يدرسونه فى المرحلة الابتدائية كما أن المدارس تهتم بأن يزور التلاميذ المتاحف المختلفة بما فيها متحف ” اللوفر ” الذى بنى شهرته على ما يحتويه من قطع مصرية قديمة ويزوره عدد كبير من السائحين الذين يهرعون إليه من كل الدول الأوروبية .
وعلينا أن نفهم أن فرنسا كانت تستقبل قبل الجائحة حوالى 90 مليون سائح وهم متمرسون فى التعامل مع السائح بل ولا أكون مبالغة إذ قلت أنهم يحفظون عدد الأسرات المصرية القديمة ويعلقون صور نفرتيتى على محلات التجميل ..
إنها فرنسا التى يبلغ تعداد سكانها حوالى 65 مليون وعدة آلاف إنسان والتى إذا بدأت الحديث مع أى فرنسى مهما كان وضعه وعرف أنك مصرى فهو يتفحص وجهك مليا ثم ما يلبث وأن يسرد لك بعض مما قرأه عن التاريخ المصرى القديم .. وإذا لم يكن قد زار مصر فهو يؤكد لك أن زيارته لمصر هى الحلم الذى من الضرورى أن يحققه.
وعامة فقد لا يختلف أحد من سكان ذلك العالم الذى نعيش فيه على احترام ذلك التاريخ القديم الذى أبهر الجميع وأن ذلك ” الموكب لملوك مصر ” قد أرسل لكل البشر على سطح الكرة الأرضية أن بلادنا هى الأمن والأمان وأنها قرة العين وجوهرة الفكر والعلم ..
ومن المعروف أن أفلاطون عندما وصل إلى مصر والتقى بالفئة المثقفة المستنيرة التى كانت تحكم شعبا مزارعاً ساكنا قد تأثر بشدة وظلت تلك الصورة الذهنية عالقة فى فكره ولعبت دوراً فى كتابته عن “المدينة الفاضلة المثاليـة”،
فهل هناك أمل أن تعود مصر إلى كيانها الإنسانى وأن يتحول تاريخنا العظيم إلى ذخيرة لصالح شبابنا فى المدارس والجامعات وأيضاً فى إعلامنا المصرى الذى ترك مكانته وأصبح تائها ومغيباً بل ومتهما بمسح الهوية والانتماء المصرى بدلاً من تعظيمها ؟ وسلاح لقتل الأخلاق والأداب وفتح بوابة الشيطان بلا منازع ..
هل من مجيب ؟