روحانيات رمضان

كتب : عاطف محمد
رمضان ليس شهرا عاديا يمر علينا مرور الكرام يحل ويذهب دون اثر يستمر مدى الحياة فله زوايا علينا أن ننظر لها بحكمة .
فمن زواية الجهاد فهو شهر الجهاد والنصر والانتصار للحق والواجب والوطن وجهاد النفس وهو أعلى صور هذا الجهاد لننفض عن أنفسنا غبار ما قد يخضعنا لتبعية الشهوات والرغبات ونبدأ البداية الخالصة لله عز وجل .
ومن زاوية العبادة فهو قمة العبادة وركنها القويم ومسارها الذى يجب أن نسير فيه ولا نعرج عنه، ونتخطى كل حواجز وعثرات الدنيا وعثرات أنفسنا .
من زاوية الخيرات حدث ولا حرج ، وعندما نذكر كل الزوايا نجد رمضان الاشراف بلا منافس والأعلى بلا قرين .
زائر بفضائل

يزورنا رمضان الآن وعلينا أن نكون أكثر اتحادا وتعاونا أفرادا و جماعات و شعوب و دول . فعلينا أن نجمع القلوب ونطفىء نيران الفتن ونقضى على المؤامرات فى مهدها ، حتى نستفيق لمواجهة مشاكلنا ومايحيق بنا من أمراض عصرية تفتك بنا وتنهى نسلنا، ننتبه إلى صراعات وهيمنة الكبار علينا، نعمل على دحر الإرهاب الذى اطل علينا بوجهه القبيح لينال من أمننا واستقرارنا ، نواجه التطرف بكل صوره وأشكاله بما ما اوتينا من قوة …

لذة قد لا نشعر بها

نحن نعيش فى لذة النعمة ونغترف من الاستقرار ما يفيض علينا دون أن نعى تلك اللذة ومقدار قيمتها، بدليل أن بعض الناس قد صام رمضان العام الماضى بقوة وعافية وقد يكون فى رمضان هذا مريضا قعيدا يعانى من وطأة المرض لا يغادر فراشه ، أنها لذة الصحة والعافية ، وقد لا نشعر بها لأننا فى أمن وامان وصحة وعافية ، لم ينالنا المرض والحرمان أليس هذا فى حد ذاته نعمة .
هناك أسرى ولاجئون وسجناء يأتى عليهم رمضان هذا وهم فى كرب وهم وذل ، لنتخيل سويا (ابعد الله عنا وعنكم هذا ) لو كنا منهم أو مكانهم نعانى ويلات ما يعانوه ، سنجد أنفسنا مشردين جائعين مطاردين ننتظر الموت فى أى لحظة سواء بالجوع أو القتل أو الإبادة .
ماذا لو تخيلت نفسك تحرس الحدود وتدافع عن أمن وسلامة وطنك لا تهنأ بالهدوء والسكينة ، تعيش فى خطر دائم من أجل شرف حراسة وطنك واهلك ودينك وشرفك كل هذا في رمضان ومع شدة الحرارة ، تخيل الأثر النفسى .
لنشعر بالآخرين
لنشعر بالآخرين ونبدل الأماكن هنا سوف نعرف الحقائق دون رتوش تجملها ، سنعرف الجوعى والعطشى والعراة الذين لاتستر أجسادهم ملابس آدمية سنجد أننا والحمد لله
لدينا طعام الإفطار والسحور، بينما هم من المحرومين نشرب وغيرنا ظمأى تسترنا الملابس وغيرنا يعانى العرى والبرد القارس ،
لنحمد الله عز وجل على عظيم نعمه وافضاله
رمضان دورة تدريبية
إذا رمضان فرصة لتربية النفس على العبادة والصلاح والايثار والعمل الجاد دون كلل أو ملل
ورمضان دورة تدريبية متكاملة الأركان دورة نتدرب فيها على حسن العبادة لتسمو فينا خصائص الإيمان النقى من إخلاص وحسن تعامل ومراقبة دائمة لله عز وجل فى أعمالنا واقوالنا حتى نجهاد أنفسنا ، وتتولد لدينا قوة لبقية شهور السنة فنسعى إلى الخير دائما ولا نرضى بالاثم مطلقا .
تقول عائشة رضي الله عنها: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره ” أخرجه مسلم.
رمضان تاج
ولكل شىء تاج يزينه ويعلى قدره وليالى رمضان هى تاج ليالى العام بأكمله ، حيث صفاء الأوقات وحلاوة المناجاة وروعة العبادة وطهارة القلوب و سمو الصلاة وقمة الدعاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل “, ورمضانُ شهر القيام يقول النبي صلى الله عليه وسلم :” من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ” متفق عليه.
وقد شرع الإسلام قيام رمضان بالذكر والصلاة ويتيسر هذا فى صلاة التراويح التى يستحسن صلاتها كاملة  .. قال صلى الله عليه وسلم : ” من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة “، رواه أهل السنن وهو صحيح
ومعنى هذا أن المصلى عندما يقوم مصليا خلف الإمام لمدة ساعة كأنما قد صلى الليل بأكمله ولهذا علينا صلاة الفرائض فى جماعة بالمساجد ، مع المواظبة عليها وكذلك الاهتمام بالنوافل وما يستحب من صلوات .
اللذة الرائعة
وهناك لذة لا تعادلها لذة كانت، ألا وهى لذة قراءة وتلاوة القرآن وتدبره فما أجمل تلك اللذة!!! والتى معها قرينة أخرى لها وهى لذة الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل وخصوصا فى وقت السحر وهجيع الليل والذى يصادف نزول الله عز وجل بكل جلاله الكريم وكل عظمته وقدرته وواسع فضله ليعرض علينا عظيم نفحاته وكريم رحمته ويسألنا فندعوه فيستحيب لنا
اجعل قيامك فى الدجى محبوبا
وأقرأ كتاب الله ايها المرغوب
وتدبر مافيه وافهم كلامه المكتوب
وابصر بعين الحقيقة المقصود
ونم فى مضجعك حائرا ولهانا
فالموت يأتى العباد قادما بغتانا
فتصبح فراشهم فى لحظة اكفانا
ولتبكى من خشية الرحمن اجفانا
تضرعا وتقربا للواحد الديان
الله عز جلاله ينزل لرحمة الإنسان
اخر الليل يأتينا بالمن والإحسان
ويقول تعالى للمؤمنين البيان
هل من سائل اعطيه بلا حرمان
انا القريب اجيب دعوة الإنسان
ولكن للاسف يضيع البعض منا وقت السحر فى اللهو واللعب مع أن رمضان هو الفرصة لنجمع بين التقوى بشقيها الحسى والمعنوي، والاخلال بأحد الطرفين يجعل صيامك لا يستقيم فلا يقبل صيام الإنسان ولا تقبل عبادته مطلقا.
ولهذا قال العظيم القدير ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183). يؤكد هذا المعنى أيها الصوام قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ” رواه البخاري ، قال بعض السلف: ” أهون الصيام: ترك الطعام والشراب “.
فلكل غافل عن منن رمضان انتبه واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث ” رواه ابن حبان ،
الصوم حماية
لنجعل صيامنا مانعا لنا من اللغو والنميمة والعلل السقيمة ،والشتم والتخاصم والأذى والتناحر وعنفوان التشاجر، والنظرات المحرمة والرفث والكلمات المعتمة، والخوض فى الأعراض والإساءة الى العباد ، لنجعل صيامنا جنة تقينا عذاب وحر النار
قال صلى الله عليه وسلم: ” الصيام جنةٌ يستجن بها العبد من النار ” رواه أحمد وحسنه الألباني ، وقال أيضاً : ” الصيام جنة فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفثْ ولا يفسقْ ولا يجهلْ فان سابه أحدٌ فليقل إني صائم ” رواه الشيخان .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ” رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
وقال الصحابيُ الجليلُ جابرُ بنُ عبد الله رضي الله عنه : ” إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع عنك أذى الجار وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ ولا يكنْ يومُ صومِك ويومُ فطرِك سواءً “.
ويقول الإمام أحمد رحمه الله:” ينبغي للصائم أن يتعاهد صومَه من لسانه، ولا يماريَ في كلامه، كانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد وقالوا: نحفظُ صومنا ولا نغتابُ أحداً “.
ماء التوبة
لنغتسل سويا بماء توبتنا، وننشر محبتنا فى كل مكان ، وتنطلق إلى رحاب الواحد القهار فى كل ليل ونهار، لنرضى رب السموات والبحار والأنهار والأرض والجبال والاسحار .
صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: ” آمين، آمين، آمين ” فقيلُ: يا رسول الله ، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين !! فقال صلى الله عليه وسلم : ” إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، قلت: آمين ” أخرجه ابنُ خزيمة وابنُ حبان انظر صحيح الترغيب والترهيب (2/625).
التوبة لا تنال إلا بحسن العبادة ، لنشد العزائم لنظهر خير أنفسنا فمن استمر كسله وحل عليه خاب كل أمله وعاش الفشل بين يديه .
يارب
اللهم اجعلنا صيامنا مقبولا
وسجودنا وركوعنا محمودا
وفوزنا بلية القدر مردودا
واكتبا فى عداد الصائمين
وعداد المتطرهين القائمين
وارزقنا جنة الخلد جنة النعيم
فى صحبة حبيبك الرسول الأمين
امين يارب العالمين……
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.