بينما يعيش الشعب المصري حالة وجدانية فريدة كان فيها علي قلب رجل واحد, مشاعر إيجابيه متأججة شعور بالوطنية والفخر, وقد أبهرنا العالم مرتين في أقل من أسبوع واحد سواء بعملية تحرير السفينة البنمية العالقة بقناة السويس وكيف كان العالم يعد علينا الثواني بل الأنفاس شهيقا وزفيرا حتي تم تحريرها بسواعد مصريه خالصة بعيد عن أية مزايدات أو مماحكات سياسية
ثم جاء إخراج الحفل الأسطوري الرائع لموكب ملوك ومليكات مصر بلد الفن والحضارة والجمال خلقت ثم جاء التاريخ من بعدها, احتفال أخرجه المبدع عمرو عزيز بلا غلطة واحده, تابع العالم أجمع الموكب الذهبي المهيب بكل تفاصيله بشغف بالغ, لاكتشف أثناء وبعد الحفل مباشرة أن أبنائي يرددون أنغام الترنيمة الهيروغليفية لإيزيس وأوز وريس, ويسألون عن متون الأهرام والنصوص الدينية المسجلة علي جدران الأهرامات لتكون عونا للميت في الحياة الأخرى والتي لم تعزف لضيق الوقت. باتوا يرددون أنغام الأسطورة كما سمعوها من السوبرانو أميرة سليم منبهرين بالحان هشام نزيه, مندهشين من أداء كل الأوركسترا بقيادة المايسترو نادر عباسي
لأول مره يبحث أبنائي عن أسماء العازفات رضوي البحيري وتقي عبد الرحيم, ويطالبوني بالذهاب إلي الأوبرا لانهم أحبوا هذا الفن الراقي الجميل, عاشوا الأسطورة وتخيلوا كما تخيل القدماء أن الأرض والسماء ذكرا وأنثي تزوجا وأنجبا من البنين أوزوريس وست ومن البنات إيزيس ونفتيس ليتزوج أوزوريس إيزيس ، ويتزوج ست نفتيس ويدور حكم الأرض بين الخير والشر
فقلت لنفسي ربما حان الوقت لتنظيف أذواق الشباب من الفن الهابط وأفلام وأغاني المهرجانات المسفة المخجلة التي لا تليق بعظمة وتاريخ هذا الشعب الذي يحمل في ذاته جينات الأجداد العظام من قادوا العالم وصنعوا حضارته, وقت أن كانت أوروبا تعيش في ظلام الجهل. مؤكد أنه الوقت المناسب لصحوة ثقافية توافرت لها عناصر النجاح.
لكن يبدو أننا لم نحسن استغلال تلك الحالة الوجدانية الرائعة فمن يمر علي كوبر أكتوبر أو أي كوبري في مصر حاليا نجده وقد زرع بإعلانات لا عدد ولا حصر لها لمسلسلات وبرامج رمضان معظمها ان لم يكن كلها يدور في فلك السذاجة والاستخفاف بعقول البشر ويبعدنا بلا مبالغة عن الحالة الوجدانية التي عشناها مع تحرير السفينة وتحرير الوجدان والسمو به إلي عالم راق رحب .
يكفي النظر للدراما الرمضانية وخريطة البرامج لنتأكد من اختفاء البرامج الفنية الهادفة و والعلمية والدينية والثقافية والأخلاقية حتي برامج الأطفال التي كانت تغرس القيم والمبادئ التي لا يختلف عليها أحد كان لها مساحة ووجود في شهر رمضان وفي سائر أوقات العام لكن يبدو أنها ذهبت إلي غير رجعه في كل القنوات الرسمية والخاصة.
مفكرو مصر ورموزها ومنهم الدكتور جابر جاد نصار رئيس جامعة القاهرة السابق كثيرا ما طالبوا بضرورة وجود مشروع فكري ثقافي فني تعليمي مشروع متكامل يلتف حوله الشعب المصري الذي أثبت بالتجربة الحيه كيف تماهي وذاب عشقا وحبا في بلده واعتز بجذوره بعيدا عن الخلاف الأيديولوجي بين طبقات المثقفين.
المصري الأصيل ينسي مشاكله وأحزانه وظروفه الاقتصادية ومشاكله الاجتماعية حين يتعلق الأمر ببلده .. ( المصري الذي لم يشعر بفرحة أخبار تعويم السفينة العالقة بقناة السويس والذي لم يتفاعل فخرا باحتفالية الموكب الذهبي يحتاج التوجه الفوري لطبيب أمراض نفسيه وعصبيه لتوقيع الكشف الطبي عليه وتلقي العلاج المناسب ) حسب ملاحظة الدكتور هاني الناظر.
من منا لم يتأثر بكلمات: يا أيها البشر والآلهة الذين في الجبل أنها السيدة الوحيدة التي تلد النهار سيدة الغرب والأرضيين معا عين رع عظيمة القدر.