للمرة الثانية في أقل من ستة أشهر تنتصر محكمة القضاء الإداري لإرساء أساس الملك “العدل” وتنصف ابنة فلاح متفوقة علي ابن مسئول شغل وظيفة بإحدى الوحدات التابعة لمحافظة كفر الشيخ بدلا منها رغم إنه حاصل علي شهادة بكالوريوس التجارة بتقدير مقبول متخطيا الفتاة المتقدمة لذات الوظيفة وحاصلة علي ذات المؤهل بتقدير جيد جدا, الفارق النوعي بينهما أنها أبنة فلاح وهو أبن مسئول.
الجميع أمام القانون سواسية لا فرق بينهم بسبب الأصل أو المستوي الاجتماعي هذا ما جاء في حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة في نوفمبر 2020 حيث انتصرت المحكمة لابن فلاح ضد ابن مسئول في أحد الشركات القابضة تمكن من استثنائه للقبول بمدرسة تتبع الشركة بمحافظة البحيرة, متخطيا ابن الفلاح المتفوق بمجموع الدرجات, وزيادة في الأمر, أرسل هذا المسئول خطابا للمدرسة يضمن به تعيين أبنه بوظيفة بعد تخرجه فورا حتي قبل أن يلتحق بالمدرسة أصلا.
الأسبوع الماضي أصدرت محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة حكمها بإلغاء قرار محكمة أول درجة التي رفضت دعوي الفتاة علي سند من أن الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في التعيين بالوظائف ولكن الفتاة لم ترتضي هذا التفسير وتمسكت بحقها وقامت بالطعن علي الحكم أمام القضاء الإداري بكفر الشيخ, والذي قضي بإلغاء الحكم المطعون فيه وقضي بأحقية الفتاة في الوظيفة لتفوقها علي ابن المسئول مستندا إلي المادة 14 من الدستور والتي تنص علي أن الوظائف العامة حق للمواطنين علي أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة, والزم الدولة ان تكفل المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية, خاصة وان المحافظة قد أعلنت في الصحف القومية عن شغل عدة وظائف وتقدمت أبنة الفلاح “وفق التفاصيل الواردة في الحكم ” وليس تنمر أو توصيف متعمد من جانبنا, تقدمت بأوراقها لكنها فوجئت بتعيين من هو أقل منها في التقدير العام.
الحكم يؤكد علي أن معايير التعيين الموضوعية, تكون للمؤهل الأعلى وعند التساوي في المؤهل تكون الأولوية للأعلى في مرتبة الحصول علي الشهادة الدراسية, فالأقدم تخرجا فالأكبر سنا وهي هنا المتفوقة علي من تم تعيينه وتقديرها جيد جدا ولكن الشاب أعتمد علي ما يمتلك من واسطة أو قرابة أو نسب فتم تفضيله و تقديره مقبول, وهو ما يتعارض مع قواعد العدل بل ويقوض السلام الاجتماعي, حائط السد الأول لكل المجتمعات.
فكما هم الفلاح بالدفاع عن حق أبنه العام الماضي ولم ييأس ولم يهاب مركز خصمه الذي حجز لابنه الوظيفة وقام بتعينه فيها قبل أن يلتحق أصلا بالمدرسة, ولجأ للقضاء طالبا العدل الذي تحقق له وصدر حكم القضاء الإداري بالإسكندرية منذ ستة أشهر بإنصافه.
لجأت أيضا الفتاة إلي حصن العدالة المنيع ولعلها مصادفة أن المحكمة الإدارية العليا في كفر الشيخ كانت أيضا برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة الذي أنتصر لحق الفتاة بنفس القواعد العامة المجردة التي يجب أن تنطبق علي الجميع بلا تفرقة بين أبناء الوطن الواحد, الكل أمام القانون سواء.
في الدولة المصرية القديمة عام 2268 قبل الميلاد الفلاح الفصيح والذي يجلس تمثاله الشهير القرفصاء كان لا يترك حقه دون الحصول عليه منذ تعاليم “إيبور” وتعاليم “مري كارع” وشكاواه المدونة في أربع برديات ثلاث منها محفوظة في المتحف المصري في برلين والرابعة في المتحف البريطاني.
الفلاح “خون انبو” ذهب لمقايضة بعض المنتجات الخاصة به بالقمح الذي كان في حاجة له وفي الطريق تعرض لمكيدة من شخص يدعي “نمتي نخت” مقرب من البلاط الملكي والذي سرق حمار الفلاح بما يحمله, فذهب الفلاح إلي كبير الموظفين في بلاط الملك, يشكو له الظلم الذي وقع عليه مطالبا بالعدل و ضرورة أن يصل الأمر إلي الملك ” نب كاو رع ” .
من بين ما جاء في شكواه الثالثة. أوقف السارق وأحم الفقير أحذر اقتراب الأبدية وتمن لنفسك الثبات, عاقب من يستحق العقاب ولن يعادلك أحد في عدلك. ميزان الأرض هو تحقيق العدل. منذ الاعتداء علي والتمساح ينتصر, متي نتعلم من ذلك, لقد عينت لتسمع الشكوى وتفصل بالحق بين المتخاصمين وتطارد اللصوص.
الفلاح الفصيح الذي خلدة التاريخ قبل الميلاد حصل علي حقة في النهاية ومازال يفعل حتي وقتنا هذا لأنه يؤمن أن العدل هو ميزان الأرض.