نظرية العصا والجزره أو مبدأ ” الثواب والعقاب ” من النظريات السائدة فى العالم ، وفى السياسه تعنى القوة الناعمة والقوة الصلبة ، إما مساعدات إقتصادية أو تهديد بعمل عسكرى ،
وأصل النظرية.. أوروبا عندما كان أهلها يروضون البغال والحمير بإستخدام العصا والجزرة بحيث يتم مسك الجزرة بيد ووضعها أمام الحمار والعصا بيدٍ أخرى ، فإن طاوع الحمار الجزرة سار ، وإن عصى فله العصا ، لكن الجزرة لدينا لها تعبير آخر لأنها أصبحت القاسم المشترك فى أغلب حوادث قطارات السكة الحديد .
ومن السابق لأوانه الحديث عن إقالة وزير النقل الفريق كامل الوزير على خلفيه تداعيات حادث تصادم قطارى سوهاج إنطلاقا من مسئوليه التابع والمتبوع أو المسئولية التضامنية ، وإن كنت أشك أن يحدث هذا أو بالأحرى من الخسارة إقالة وزير فى كفاءة كامل الوزير لأسباب كثيرة لايسع المقام لذكرها .
والجدير بالذكر أن حوادث السكة الحديد فى سنوات مضت كانت سببا فى إقالة اكبر عدد من الوزراء فى حكومات متعاقبة.. ولم تعد إقالة الوزير هى الحل ،
الفريق كامل الوزير كان أول مسئول فى مصر يخرج للرأى العام ويعتذر عن الحادث على الهواء مباشرة فى المؤتمر الصحفى مع دولة رئيس الوزراء ، وهذا يعد فى نظرى تحول جديد لم نشهده من قبل
نعم يحدث هذا فى أغلب دول العالم بل وأكثر من الإعتذار ، ففى كوكب اليابان على سبيل المثال يستقيل الوزير من تلقاء نفسه بل وينهى حياته أحيانا والعياذ بالله
والحقيقه أن الحديث عن حادث التصادم الذى وقع مؤخرا وأودى بحياة عدد من الأبرياء وإصابة آخرين من أهالينا فى صعيد مصر هو حديث ذو شجون ، فالصعيد عانى من الإهمال لسنوات طوال
والحمد لله أن الدولة فطنت أخيرا إلى ذلك وقامت فى عام 2018 بإنشاء الهيئة العليا لتنمية جنوب الصعيد فى إطار خطة الدولة للإسراع بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية والعمرانية الشاملة لمناطق إقليم جنوب الصعيد ضمن الخطة العامة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية للدولة وإن كان هذا الكلام حبرا على ورق لكن دوما يقال : أول الغيث قطرة .
الصعيد أصبح له حظ من مشروعات التنمية وشبكه الطرق التى تقيمها الدوله وإن كانت على إستحياء إلا أننا نطمع فى المزيد ، وخاصة وأن الفرص والظروف والإمكانيات مواتية على الأقل حتى لايكون الصعيد عامل طرد لأهله
ولعلنا نتذكر أن السيد الرئيس قام فى عام 2018 بوضع حجر أساس عدد من المدن عبر الفيديو كونفرانس منها ” مدينة غرب قنا ” وإستفسر عن توافر المرافق الأساسية والخدمات بها ، ووجه سيادته بسرعة الانتهاء من الـ 4 مدن الجديدة فى الصعيد، قبل نهاية 2019 واليوم والحمد لله يمكننا القول أنها تدخل ضمن قطرة أول الغيث السابق ذكرها .
الصعيد يحتاج إلى إخلاص النية ، ودعونا نكون صادقين أمام انفسنا أن صدق النوايا يأتى من أهله أولا وذلك ب” العودة إلى الجذور ” أليس من العيب على أبناء الصعيد الذين صنعوا التاريخ وصالوا وجالوا وملأوا الدنيا عبقرية وعلما وفنا وأدبا وثقافة وإبداعا وتجارة وإستثمارا .. إلخ إلخ أن يوجد فى بلادهم من هم أكثر فقرا ؟
عندما يذكر الصعيد فى أى مكان داخل مصر أو خارجها يقف السامع تقديرا وإحتراما للقيم والإخلاق والمبادىء والشرف الذى يتمتع به أهل الصعيد وهذا أقل مايمكن أن يقال عنهم .
الحقيقة أن حادث التصادم الأخير أعاد الصعيد إلى صدارة الأخبار ، وحسنا فعلت الدولة عندما تحركت بشكل غير مسبوق بكل أجهزتها ومسئوليها لإحتواء الحادث وكانت على قدر المسئوليه سواء فى تقديم الرعاية والدعم الطبى للمصابين أو تعويض أسر الضحايا مع أن ” كنوز الدنيا ” لاتعوض فقد عزيز أو غالى لكنها نوع من المشاركة الوجدانية
والحقيقة الثانية أن الحادث أظهر المعدن الأصيل للمواطن الصعيدى والوقوف فى الأزمات وهذا ليس بغريب ، ولن أطيل فيه فالكرم والشهامة وإغاثة الملهوف هى مكون أساسى للجينات الصعيدية .
الحادث يضعنا أمام العديد من علامات الإستفهام بعيدا عن التحقيقات وما إتخذه النائب العام من قرارات تضمن عدم الإدلاء بأى ببانات أو إستباق للتحقيقات أو المتسبب فى الحادث لأن كل من أخطأ لن يفلت من العقاب وخاصه إذا كان الامر يتعلق بأرواح الناس ، وهذا أمر مسلم به .
ودعونا نتفق أولا أن أى تبريرات تتعلق بأن هذا المرفق قد تعرض للإهمال طوال ثلاثين عاما .. إلخ .. فمثل هذا الكلام غير مقبول جملة وتفصيلا لأسباب قد يأتى ذكرها لاحقا إن إتسع المقام
ثانيا : هناك خطه تتبناها الدولة لتطوير مرفق السكة الحديد بدأت منذ عام 2014 بتكلفة مقدارها ٢٢٥ مليار جنيه ، وتبنى وزارة النقل عملية تطوير شامل ، من خلال تطوير العربات المتهالكة ومنع تسييرها ، وشراء عربات جديدة ، وإعادة تأهيل الجرارات وشراء أخرى جديدة، وتغيير نظام الإشارات لتكون إلكترونية متطورة .. إلخ
ومن المفترض أن الخطة يتم تنفيذها على مراحل وبالتأكيد هناك مراحل تم الإنتهاء ومراحل أخرى تنتهى فى 2024 كما وعد الوزير فى المؤتمر الصحفى ، المهم أن مسأله التطوير ومايتم إنفاقه من مليارات سواء كانت من موارد الدولة أو قروض أن تتم من خلال ضوابط عليها وعلى تلك التعاقدات وعلى مدى مطابقتها للمواصفات الفنية
ووفقا لـ تصريحات سابقة أن الجرارات الحدبثه مزوده بنظام التوقف أتوماتيكيا دون تدخل العنصر البشرى وهذا يستحيل معه حدوث إصطدام مع قطارات أخرى وقد سبق الحديث عن إكتمال منظومة الإشارات الإلكترونية والمزلقانات والسيمافورات .. إلخ
وعموما وحتى لانبكى على اللبن المسكوب دعونا ننظر إلى النصف الممتلىء من الكوب وخروجا من تلك الأزمة التى من الوارد انها سوف تتكرر ، يجب على السيد وزير النقل أن يعكف على دراسه وتقديم”رؤية متكاملة ” ولو من خلال الإستعانة ببيوت الخبرة الدولية ” من اليابان أو إنجلترا وألمانيا وهى من الدول التى لها باع طويل وخبرات فى مجال السكك الحديدية من أجل تحديث منظومة مرفق السكه الحديد وإدارته على أسس علمية ـ وإنشاء هيئة خاصة بالسلامة وفقا لأحدث المعايير العالمية ـ إلى جانب التوسع فى إنشاء الأكاديميات العلميه المتخصصه فى السكه الحديد ـ والإهتمام برفع كفاءة وتدريب العنصر البشرى لإستيعاب التقنيات الحديثه .
ويكفى القول أن قطارات العالم من حولنا تسير الآن من خلال أنظمه تحكم مركزية Control Room System وليس عامل تحويلة ــ مع التأكيد إلى أن مرفق السكة الحديد وإن كان مرفقا خدميا فلماذا لانعظم الإستفادة من الإمكانيات المتاحه له ويتحول إلى مشروع إقتصادى
وغير ذلك قد لاتجدى المليارات التى تنفقها الدولة ، والنتيجة كما نرى ما أن نفيق من صدمة حتى نقع فى أخرى أو كما بقول الصعايدة ” العجل فى طينه “
أعود وأأكد على أن مايقع من حوادث فى مرفق السكة الحديد فى الوجه القبلى نتيجه الإهمال والتهاون يدق أجراس الخطر ويلفت الإنتباه إلي أننا أهملنا ونسينا أبنائنا وأهلنا في الصعيد رغم كبر مساحته وإمكانياته الواعدة وعبقرية أهله . وأنه لابد من تضافر الجهود لإحداث تنمية حقيقة يشعر بها أبناء الصعيد .