اتفقنا ان ارادة المسئولية هى احدى سبل اثبات الوجود الحقيقى للذات , وفى المقابل تكن الذات المتواكلة هى التى تعيش وجودا منتميا لغيرها , أو بتعبير ادق : هى الذات التى تدور فى افلاك الآخرين وليس لها مجال وجود , وهنا تتكشف صفة تالية لتلك الذات الساكنة الهشة الطافية والمفعول بها , وهى ان تلك الذات لا تطمح لمزيد من التقدم بداية , ولا تولى اهتماما بالارتقاء والتطور , ذلك لان تلك الذات ليست فقط تعجز عن الفعل , بل هى ايضا لا تملك ارادة الحياة , فليس لديها رغبة فى النهم من نعيم الحياة , والتمتع بمقدراتها وتطويعها لصالح القادم من ازمانها , بل هى تكتفى بما يُلقى اليها من هبات الآخرين , وعلى المستوى المجتمعى هى محصلة المجتمع الذى يقبل باختيار وحيد , وهو ان يكون مقبرة لنفايات المجتمعات الآخرى , بالتالى على هذا الكيان الصفرى ان يقبل بتلقف اعلام مضلل ودراما مشوهة ومعتقدات باطلة ومنتجات منتهية الصلاحية وسلوكيات شاذة وانفعالات مضطربة و .. , والى غير ذلك من التجارب السلبية للآخرين , وبتصغير منظار الرؤية على المستوى الفردى نجد هذه الذات التى تظهر فى الشطر الاول من شعر شوقى :” شباب قنع لا خير فيهم .. وبورك فى الشباب الطامحين ” اما الشطر الثانى وهم اصحاب الذات الدؤبة فى سعيها تجاه التطور والتغير والتى ترغب دوما فى نيل المزيد من النجاحات العلمية والمادية والتجارية والدينية والعاطفية وغيرهم الكثير , وهى التى لا تكاد تنهى شوطا فى مسارات الوجود الا وتبدأ غيره , وهكذا تتوالى النجاحات , وهى ذات نهمة للتقدم , وتمتلك طاقات شغوفة بالمضى قدما , ولانها ذاتا تستشعر مسئولياتها المتعددة والمتنوعة تجاه الآخرين , ولانها ذات تملك ارادة الفعل وتتحرك صوب الاتجاهات الآيجابية كالارتقاء الى اعلى والى الامام , ولا تؤمن بخطوات العودة او الثبات فى مربعات الاصفار , بل هى ذات ترغب فى استمرار بتقديم ابتكارات وابداعات فى مجالات تخصصها , وتلك العطايا من شأنها ان تؤكد على الوجود الفاعل لهذه الذات , وبتحقيق بعض القياسات الحيوية للذات النهمة للتطور والارتقاء نجدها تملك عقلا رحبا يتسع لارجاء الوجود يقبل الآخر ويقتنع بالرأى الشافعى :” رأينا صواب يحتمل الخطأ ورايكم خطأ يحتمل الصواب ” لذا فعقلية هذه الذات تتسم بالمرونة القابلة والحاضنة لمختلف التنوعات اشبه بالكوزموبوليتان , وربما يتطابق معها ما قاله الباحث الكندى سيمسون نايوفتس فى كتابة ” مصر أصل الشجرة ” :” ان المصريين قبلوا ديانات الآخرين , وامنوا بحقهم فى ممارسة معتقداتهم” , وايضا هذه الذات تجاور روحا فياضة بالعطاء , باسمة مقبلة على الحياة , وتسير جنبا الى جنب بمحاذاة نفس هادئة واثقة متصالحة ومحبة , وجميعهم فى معية ضمير يقظ يعلم ما عليه كما يطلب ما له , يقتبس لسان حالهم من اليا ابو ماضى:” كن جميلا ترى الوجود جميلا ” , واما الذات التى تشبه جثتها فهى كما بحيرة كارل ماركس التى تحدث عن ان خمولها وركودها هو سبب موت وفناء كل الكائنات بها , فتلك الذات مقبرة لعقل متبلد , وضمير ميت , وروحا مفارقة , ونفسا عابسة مكفهرة , ولا تحمل للآخرين من العطاء سوى الكراهية والحقد , ولا تحى سوى الحياة العدمية , ولاتتكبد حتى عناء تمنى التغير! وتلك الذات بدورها توصف كما نعتها اليا ابو ماضى “ان نفسا لم يشرق الحب فيها .. هى نفس لم تدر ما معناها ” , وبهذا تفتقد تلك الذات حيوية الوجود وتقبع قانعة فى اتون الخمول , ولا نتصور مجتمعا يعد محصلة مجموع الذات الفاعلة فى الوجود والنهمة للحياة الا ان يكون هو مجتمع متطور حضاريا وفى حالات ديمومة من الارتقاء الانسانى , ونقيضه كما نقيض الوجود هو العدم , ويكون ذاك المجتمع الذى على شفى جرف هار وهو محصلة مجموع الذات الراكدة المفعول بها المكتفية بحالها الرث , وهو اشبه بقبر كبير يلملم اشباه البشر , او كبحيرة ماركس المفتقدة للجدل والتغيير والحاضنة للاموات من الكائنات الذين لا حاضر لهم ولا مستقبل ينتظرهم!.