“نادي المشروم” هو مصطلح أمريكي، سمعته، لأول مرة، وأنا ضمن أعضاء الوفد العسكري المصري إلى واشنطن، الذي كان يبدأ يومه بتناول الإفطار في السادسة صباحاً، قبل التوجه لمبنى البنتاجون، في السابعة، لبدء المباحثات العسكرية من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساءً. يعود بعدها أعضاء الوفد إلى مقر الإقامة، بينما أبقى مع أحد زملائي من الوفد، بصحبة الطاقم الأمريكي، حتى العاشرة مساءً، لحصر وتدوين كل ما تم الاتفاق عليه، خلال اليوم، استعداداً ليوم جديد يبدأ في السادسة من صباح اليوم التالي.
وفي آخر أيام المفاوضات، بعدما أنهى الجانبان اجتماعهما في الخامسة مساءً، تخطى عملي الحصر والتدوين لما تم في ذلك اليوم، وإنما امتد ليشمل إعداد الاتفاق النهائي، في صورته النهائية، التي تتجاوز 100 ورقة، لتوقيعه في صباح اليوم التالي، وما يتطلبه من تدقيق كل ما تم الاتفاق عليه طوال الأسبوع، وصياغته في نسختين بالإنجليزية والعربية. وبالفعل انتهينا من تجميع وثائق الاتفاق في الرابعة من صباح اليوم التالي، فاقترح الجانب الأمريكي أن نتوجه إلى أحد المطاعم القريبة من مبنى البنتاجون لتناول الإفطار قبل سويعات من التوقيع النهائي، وصاح أحدهم “ولنحتفل بانضمام سمير فرج إلى نادي المشروم Mushroom Club”!
ولما تساءلت عن معنى ذلك، علمت أن المشروم أغنى النباتات قيمة، لاحتوائه على نسبة عالية من البروتين، تفوق الموجودة في اللحوم الحمراء، ويتم زراعته في الظلام، فلا يراه أحد، ويحتاج أرض طينية، تتطلب ارتداء أحذية طويلة للتحرك على هذه الأرض عند حصاده الذي يتم ليلاً قبل سطوع الشمس. وهكذا هم أعضاء نادي المشروم، أولئك الأشخاص المميزون، العاملون في ظروف صعبة، لإنهاء مهمتهم بعيداً عن الأضواء، تماماً مثل العاملين على زراعة المشروم الذين لا يراهم أحد عند تقديمه على مائدة الطعام.
تذكرت كل ذلك وأنا أرى جهد الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، التي تعمل، حالياً، في ظروف صعبة، بعيدة عن الأضواء، لإنجاز أعمال عظيمة لمصر وشعبها العظيم، فاستحقت أن تكون، رئيساً وضباطاً وجنوداً، أعضاءً في نادي المشروم المصري. هل تعلم عزيزي القارئ أن الهيئة الهندسية نفذت، حتى نهاية عام 2020، 2847 مشروع، بتكلفة 1,1 ترليون جنية مصري، أنجزت نحو 83% منها، بمشاركة 1440 شركة وطنية مدنية، بطاقة 9 مليون مهندس وفني وعامل؟ وهل تعلم أنها نفذت 8 موانئ جديدة بتكلفة 28 مليار جنية مصري؟ وأنشأت عدد من المدن الجديدة من الجيل الرابع مثل العاصمة الإدارية، والإسماعيلية الجديدة، والجلالة، والعلمين الجديدة، كما قامت بإنشاء 167 منشأة طبية، لصالح وزارة الصحة، بتكلفة 7,750 مليار جنية.
فضلاً عن مشروعات عملاقة، لفتت انتباهي بشدة، وكتبت عنها مقالين في هذا المكان، منها مشروع البحيرات، خاصة بحيرة المنزلة وبحيرة مريوط، من ضمن 11 بحيرة، تمثل ثروة قومية ضخمة لمصر، تم إهمالها في السنوات الماضية، لولا قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بسرعة استعادة هذه البحيرات، وإعادتها إلى ما كانت عليه، بإزالة التعديات عليها، وإعادة فتح بواغيز المياه على البحر المتوسط، ومنع الردم، وإزالة مزارع الأسماك الغير قانونية، ومنع تصريف المصارف والصرف الصحي والصناعي في تلك البحيرات، فهل تعلم عزيزي القارئ أن كل ذلك تم تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة؟
يضاف لكل ما سبق مشروعات الطرق القومية بطول 4125 كم بتكلفة 100 مليار جنية، ومشروعات الكباري والأنفاق المتمثلة في 66 نفق سيارات بتكلفة 4,1 مليار جنية، ومشروعات الإسكان الهائلة بتكلفة 140 مليار جنية، وتطوير العشوائيات بتكلفة 144 مليار جنية، علاوة على مشروعات محطات مياه الصرف ومشروعات المياه النقية والمنشآت التعليمية، مدارس وجامعات، بإجمالي 31,4 مليار جنية. ولن تكفي السطور للكتابة عن كل الإنجازات التي قامت بها الهيئة الهندسية، ولكنني أؤكد أنهم جنود مجهولون، يعملون على رفعة الدولة المصرية، مما دعا السيد الرئيس لمكافأة الهيئة، بتقليد علمها، لأول مرة في تاريخ مصر، بوسام الجمهورية العسكري، كما تم ترقية رئيسها السابق، اللواء/ كامل الوزير إلى رتبة الفريق، تكريماً لجهوده وجهود ضباطه وجنوده، قبل انتقاله لتولي مسئولية وزارة النقل، ليخلفه في رئاسة الهيئة الهندسية اللواء/ إيهاب الفار.
وأود أن أوضح معلومة رئيسية، وهي أن دور الهيئة الهندسية يتركز على متابعة تخطيط وتنفيذ كافة المشروعات من خلال مكاتب استشارية، ومعتمدة من الهيئة، أما التنفيذ الفعلي للأعمال فيتم من خلال الشركات المدنية، تحت إشراف ومتابعة الهيئة لضمان التنفيذ وفقاً للاشتراطات الموضوعة، والمقاييس العالمية المعمول بها، وفي إطار الجدول الزمني المحدد لتنفيذ كل مشروع، لتخرج المشروعات في صورتها المثالية. وهو ما يرد على الادعاء الباطل بأن القوات المسلحة تزاحم شركات القطاع الخاص، فأؤكد أنه لا يوجد جندي واحد يعمل في تلك المشروعات، وأن كل هذه المشروعات تنفذ بمعرفة الشركات المدنية.
ومن هنا، وبعد كل ما تقدم، فالشكر واجب لرئيس الهيئة الهندسية، اللواء/ إيهاب الفار، وضباطها، وجنودها، الذين يخلصون العمل، في صمت، لبناء مصر الحديثة؛ ووضعها في مكانتها التي تليق بها. أيها السادة العظام، إن بصماتكم واضحة، وجلية، في كل أركان بلدنا العزيزة مصر، وستظل مصر والمصريون مدينون لكم بكل الشكر والوفاء … ومبروك عليكم عضوية في نادي المشروم المصري.